ليلة انفلاق الزمن  انفلاق تجريبي جديد

مشتاق عبد الهادي

          

 

        المسرح حركة درامية لحياة ومغامرات وأهوال مضغوطة في مكان محدد ، ويمكن معرفة حجم الإبداع المحقق في هذا المجال من خلال حركة الشخوص و تدرجات الضوء وحركة الديكور وعملية الخداع البصري والالتماعات الفكرية للنص  والعرض ، وعلى وفق هذا التصور جاءت مجموعة الكاتب المسرحي صباح الانباري "ليلة  انفلاق الزمن" والتي تضم ثلاثة نصوص عن منشورات اتحاد الكتاب  العرب في دمشق 2001 ، محققة مع مسرحياته السابقة تطورا في عالم الكتابة المسرحية من خلال تفرده في اقتناص اللحظات الإنسانية المتوهجة ونقل حزم الضوء للكشف عن التوالد الآني للشخوص .

     ففي مسرحية  "ليلة انفلاق الزمن" ص7ـ 76 ،نرى الانباري يقوم كما في أغلب أعماله السابقة بتأمين جو غرائبي على المسرح يؤخر شخوص المسرحية من خلال نوم الأساتذة الثلاثة وصحوتهم بعد مرور ربع قرن،ففي هذه المسرحية يتلاعب الكاتب الانباري في خلق إشكالية مواجهة الآخر،ولكن بعد مرور ربع قرن،والمأساة التي تترتب على تلك المواجهة، وبرغم أن المواجهة في احتدام طويل يباغت القارئ في عملية انسلاخ المؤلف / المخرج عن العمل الأساسي ليعلن في نهاية الأمر بأن العمل المسرحي قد تم إنجازه . إن "ليلة انفلاق الزمن" خدعة مسرحية ممتعة تكاد تقترب من روح الأجواء الغرائبية التي تكشف لنا عنصر الانسلاخ  عن الآخر الذي صار ذاتا ناطقة خارج مدار الموجود الحسي.

وفي مسرحية "عندما يرقص الأطفال" ص 77 ـ124 ،نرى أن الأسطورة التاريخية قد سخرت بشخوصها وآلهتها ووحوشها مشهدا لمعاناة متجددة،فمن خلال حضور قوة الخير المتمثلة بـ"كلكامش" و"انكيدو" وقوى الشر المتمثلة بالوحش "خمبابا" واتباعهم و صراعهم الحضاري والأسطوري الطويل،إن هذا الصراع ينتقل إلى زمان ومكان معاصر وبنوايا حديثة  هي غير النوايا التي كانت مطروحة في الأسطورة المذكورة،إن المسرحية تفترض خلود روح الشر والظلم وكذلك تواجد الند التقليدي لها متمثلا بمساعدة أهالي الغابة وأطفالهم الذين يمثلون الجيل المتطلع للتقدم والعيش برخاء،بعيدا عن المناحرات التي يؤسسها الظلم لخدمة أهدافه التخريبية، أن في هذه المسرحية حركة امتزاج بين الأسطورة وأهدافها والواقع وأحلامه .

         أما في مسرحية "متوالية الدم الثانية" ص 125ـ161 ، فنجد أن الخيال العلمي والمسميات التقنية والعلمية،قد صيرت نص مسرحية الانباري مختبرا للتجارب النزيهة التي تستغل بسلبية تامة .

المسرحية من الخيال العلمي أبدع المؤلف في ابتكار الأهداف والنوايا الخاصة باستغلال العقل البشري الحديث،إذ تتناحر شخوص المسرحية في إقناع المخترع على أن يكون عقل كل واحد منهم هو النموذج الأسمى الذي يجب أن تتطابق مع إرادته أفكار الجميع،ولكن هنا يتم الاقتراح / الصدمة ، الذي يرفض تناسخ الفكر مع العلماء والرافضين فيها إلى نقل أو استنساخ فكر الكلب المدلل وبثه في جميع العقول أنها منطقة الأمان التي  يبحث عنها المتسلط ويحاول تنفيذها حتى بالقوة.

      إن المخرج والمؤلف المسرحي صباح الانباري يقدم في مسرحياته الثلاث جيلا كتابيا جديدا في عالم المسرح،حيث انه يتحكم في النص ومداخلاته الدرامية بمرونة،وكثيرا ما يظهر براعته الإخراجية والفوتوغرافية في عملية انتقال الشخوص وامتزاج الديكور مع حركة الحدث والشخوص،ونجده قد ابتعد عن الإسراف في اختلاف الشخصيات الثانوية التي تتعب بحركاتها وحديثها عقلية القارئ وعين الناظر .

إن في "ليلة انفلاق الزمن" انفلاق تجريبي جرئ في عالم المسرح،أتمنى أن يضمن،من خلال  تفرده،ابتكار خشبة جديدة متفردة وجريئة . 

                         

 

 

...................................................................

نشرت في:

-         صحيفة الجمهورية ـ العدد 11034 ـ التأريخ 6/1/2003 بغداد

            - صحيفة العرب العالمية ـ العدد 6590 ـ التاريخ 6/2/2003 لندن