الفن هو السلام

 

يون فوسيه

   لكل شخص ما يميّزه عن غيره ولكنه أيضا مشابه لأي شخص آخر، إن مظهرنا الخارجي المرئي متفرّد ويختلف عن الآخرين، وهذا بالطبع أمر جيد، ولكنْ هناك أيضا شيء داخل كل واحد منا ينتمي إلى ذلك الشخص وحده، وهو روح الشخص أو نفسه، أو يمكننا أن نقرر عدم تصنيف هذا الشيء بالكلمات على الإطلاق، فقط نتركه وشأنه. وعلى الرغم من اختلافنا عن بعضنا البعض، إلا أننا ما زلنا متشابهين، فالناس من كل أنحاء العالم متشابهون في جوهرهم، بغض النظر عن اللغة التي نتحدثها، أو لون بشرتنا، أو لون شعرنا”.

وأضاف “هنا تكمن المفارقة: أننا متشابهون تماما ومختلفون تماما في الوقت نفسه. ربما يكون الشخص متناقضا بطبيعته، في توازنه بين الجسد والروح، فإننا نجمع بين الوجود الملموس الأكثر ارتباطا بالأرض والشيء الذي يتجاوز هذه الحدود المادية والأرضية”.

وبين أن “الفن، وبالتحديد الفن الجيد، ينجح بطريقته الرائعة في دمج الشيء الفريد تماما مع الشيء الشامل. فهو يتيح لنا أن نفهم ما هو المختلف -ما هو الأجنبي- باعتباره شاملا من خلال الفن. وبذلك يتجاوز الفن حدود اللغات والمناطق الجغرافية والبلدان. فهو لا يجمع بين الصفات الفردية لكل فرد فحسب، بل أيضا وبمعنى آخر، الخصائص الفردية لكل مجموعة من الناس، لكل أمة على سبيل المثال”.

ولا يقوم الفن بذلك من خلال تسوية الاختلافات وجعل كل شيء متماثلا، كما يقول فوسيه، بل على العكس من ذلك، يقوم بذلك من خلال إظهار ما هو مختلف عنا، وما هو غريب أو أجنبي. يحتوي كل فن جيد على وجه التحديد على شيء غريب، شيء لا نستطيع فهمه تماما، ولكننا في الوقت نفسه نستطيع فهمه بطريقة ما. إنه يحتوي على لغز، إذا جاز التعبير. شيء يبهرنا وبالتالي يدفعنا إلى ما هو أبعد من حدودنا، وهكذا يخلق السمو الذي يجب أن يحتويه ويقودنا إليه كل عمل فني.

الحرب والفن متضادان، تماما كما أن الحرب والسلام متضادان، الأمر بهذه البساطة. الفن هو السلام

ويواصل “لا أعرف طريقة أفضل للجمع بين الأضداد، وهذا هو النهج المعاكس تماما لنهج الصراعات العنيفة التي نشهدها في كثير من الأحيان في العالم، والتي تنغمس في الإغراء المدمر لإبادة أي شيء أجنبي، أي شيء فريد ومختلف، غالبا باستخدام أكثر الاختراعات اللاإنسانية التي وضعتها التكنولوجيا بين أيدينا. هناك إرهاب في العالم. هناك حروب. فالبشر لديهم جانب حيواني مدفوع بغريزة تجربة الآخر، ويعتبرون الأجنبي والمختلف تهديدا لوجود الفرد بدلا من أن يكون لغزا ساحرا”.

هكذا يتلاشى التفرد والاختلافات التي يمكننا رؤيتها جميعا، تاركة وراءها تجانسا جماعيا حيث يشكل أي شيء مختلف تهديدا يجب القضاء عليه. وما يُنظر إليه من الخارج على أنه اختلاف، على سبيل المثال في الدين أو الأيديولوجيا أو السياسية، يصبح شيئا يجب هزيمته وتدميره.

ويشدد على أن الحرب هي المعركة ضد ما يكمن في أعماقنا جميعا، شيء فريد من نوعه. وهي أيضا معركة ضد الفن، ضد ما يكمن في أعماق كل الفنون.

ويختم “لقد تحدثت هنا عن الفن بشكل عام، وليس عن المسرح أو الكتابة المسرحية على وجه الخصوص، ولكن هذا يرجع إلى أن الفنون كلها جيدة، كما قلت، جيدة في أعماقها، وتدور حول نفس الشيء؛ أخذ ما هو فريد تماما، ومحدد تماما، وجعله شاملا. والجمع بين المحدد والشامل من خلال التعبير الفني، دون القضاء على تفرده ولكن بتأكيد هذا التفرد، مما يسمح لما هو غريب وغير مألوف أن يتألق بوضوح”.

الحرب والفن متضادان، تماما كما أن الحرب والسلام متضادان، الأمر بهذه البساطة. الفن هو السلام.