((المسرح ظل آخر))

  الكاتب والمخرج سعد هدابي

 

المسرح يمنحنا ظلا آخر.. ليرانا الآخر بابعاد ثلاثة عبر واقع محتدم بالقلق.. انه يختصر المسافة بيننا وبين المرايا التي نرى فيها كل ما يتخلج في خزانة حيرتنا التي لا تنتهي وهي تمسك بخيط السؤال الأزلي بحثا عن إجابة تمنحنا السكينة واليقين لنفوز باكبر قدر من الانعتاق من هذه الحيرة المترامية الدهشة ...

ومادام المسرح قد بذرته الحاجة في معمورتنا واديمها.. ومادام المسرح مخبوءا في أوردتنا مذ علمنا الرب بهاء الكلمة.. فاننا وعلى اختلاف مشاربنا نستظل بخيمته المترامية الجمال بعيدا عن المغاليق الجغرافية والحواجز الوضعية.. انه المسرح.. شيخ المتعبدين في محراب آدميتنا.. يعرج بنا لندرك مجرات الحلم عبر جسور العناق ونتوضأ عند عتباته لنتطهر من ادران المواريث المستهلكة وقوالبها المكرورة الآفلة بحثا عن صيروتنا.. انه قدر متحرك.. وهاجس عذب.. وقلق مستديم.. واول لغة في معجم الابتكار الإنساني.  

ترى من يواكب من؟ المسرح في طفولته وصورته الاولى وهو يرصد وقع خطانا ونحن نمرح في رحاب غفلتنا.. ويدخر في صندوقه الاسود رغباتنا الدفينة وتطلعاتنا.. واسرارنا؟  ام نحن الذين نتوق الى ملكوت التطهير كلما عصفت بنا النائبات لنبتكر الاجابات لأسئلة لم تولد بعد في رحم خشبته السمراء بحثا عن فرضية حياة؟

هل مخافاتنا هي من تدفع بنا للارتماء في احضان هذا الاب بوصفنا إبناء شرعيون لنتعلق بأستار وصاياه ونقيم طقوسنا الماطرة بالتحولات ونطوف في محرابه الأزلي؟ ام هو وبكل جبروته لا يتوانى في ان يطرق ابوابنا ويمنحنا أرغفة الشعر ويعمد نفوسنا بالأناشيد والزخرف من فسيفساء انتمائنا اليه..  ثنائيتنا هذه تحتل الصدارة في قاموس وجودنا الإنساني.. انه المسرح ياسادة.. أعظم رسالة هبطت نحو عزلتنا في هذا الكون المدجج بالغموض.. بلا انبياء يتأبطون المعجزات انه عراب حكايتنا البكر ويمتلك ناصية السؤال.. ابوابه المشرعة كسفينة نوح تسع الخلق بألوانه واعراقه.. انه المسرح ياسادة يجيد التحدث بكل اللغات.. ويقيم طقوسه بكل الاتجاهات فهو العابر لكل التخرصات والأنطواءات تماما كالأواني المستطرقة.   

ترى ما الذي يعنيه يوم المسرح العالمي ...؟ والمسرح يحتفي بنا في كل الايام بعمقه التنويري..  وبقيم مدنيته ؟ في كل مشهد انساني عفوي هنالك مسرح.. في كل بيت هنالك ملامح مسرح ... لقد برهن المسرح على انه أداة طيعة.. متحركة تسبح في كل فضاءاتنا وترتدي لبوسها على وفق ما نحن عليه ... انه يحتفي بنا.. ويحيطنا بمراياه لنرى أنفسنا لا كما هي.. إنما بما ينبغي أن تكون عليه.. وبذلك هو يعيد اسلبة حياتنا بعيدا عن النمطية فتتورد زنابق حياتنا بمظهر جديد فنكتشف في النهاية أننا نقفز على ما وجدنا عليه أنفسنا تجاه التخوم ولأقاصي.. والعوالم اللامرئية.. انه وبلا شك يمنحنا فسحة من القدرة على ترميم ما تساقط من اليابس في حياتنا ويغض النظر على نظرتنا القاصرة في إدراك ما يحيط بنا من أزمات.. ويفعل دورنا الإنساني.