الفصل التاسع
مسرحية مجرد نفايات
تمهيد:
في هذه المونودراما يتناول قاسم مطرود واحدة من أبشع سبل تحطيم الذات البشرية وجعل
الإنسان ذي كينونة شيئية بعد تجريده من كينونته الروحية، وبعد غسل دماغه وتحويله
إلى أداة تنفيذية مطواعة يديرونها حسب رغباتهم، وأهوائهم، وأهدافهم اللاانسانية.
إنهم يفعلون ما يفعلون عبر برامج تعذيب الجسد، وإذلاله، وإفراغه من محتواه
الإنساني. وإذ ينجحون في تشييئه فإنهم يخطون الخطوة الأخيرة في تحويله إلى مجرد
نفايات. لقد تناول هذه المسرحية كعرض درامي الأستاذ الفاضل عبد الغفور بن أحمد
البلوشي في بحث أوجز فيه رأيه في هذا الجنس الدرامي الذي ينهض بمهمته ممثل واحد ضمن
نص كتب ليكون مختصا بالشخصية ذات العلاقة المباشرة بالحدث الدرامي. كما تناول مهمة
الممثل في العرض المونودرامي، وقدرته على تجسيد بقية الشخصيات لتمارس حضورها
من خلال شخصيته المهيمنة تماما على مساحة النص أو جغرافية العرض. يقول في معرض
تناوله لمهمة الممثل الأدائية:
"استطاع الممثل وهو الفنان الشاب عبد الحكيم الصالحي أن يبرع في تشخيص باقي
الشخصيات ذات الحضور المجازي في العرض (الزوجة ، المحقق) المسرحي الجميل صحيح أن
(المونودراما) فن يعتمد على الممثل الواحد- من هنا ربما بسبب العلاقة بالموارد
المادية- ولكنها من ناحية أخرى هي ليست مجرد ممثل واحد- إنما هي في الحقيقة تحقيق
نفسي وذهني في عقل شخص واحد لا ينفصل عن الشخوص المغيبة، بل يزيد هذه الشخوص قيمة،
إذ أن الممثل الفرد دائم الذكر لها، غير قادر عن الانفصال عنها، لذلك تكتسب هذه
الشخوص حضورا قويا وقادرا وان لم تظهر."
ثم عرج على الإخراج منتقدا ما وقع فيه من
إرباك سببه قطع الديكور الكبيرة التي لم يتلاءم حجمها مع جغرافية المسرح.
أما الأستاذ شاكر عبد العظيم فقد قدم هذه المسرحية بدراسة ألقى من خلالها الأضواء
على فحوى الحداثة وما بعدها متخذا من هذه المسرحية أنموذجا مكتملا ومشتملا على
موجهات العمل الحداثوي، ومؤكدا في استنتاجه الأخير أنها اشتغلت:
"على أهم التحقيبات التي مرت بها الشخصية
وهي ثلاث: الأولى تكمن في الحياة العادية التي كانت تعيشها قبل الدخول لمرحلة
الصراع مع السلطة. والثانية هي دخول غمار المعركة مع الذات والآخر/ السلطة ذاتها.
أما الثالثة فهي مرحلة الهروب والتداعيات المرة، مرحلة المصير الذي تسير الأحداث
باتجاهه ترافقها شخصية البطل". ولأهمية المقالتين أدرجهما أدناه.
بحث موجز عن عرض مسرحية ..مجرد نفايات..
بقلم عبد الغفور بن احمد البلوشي
مقدمة :
مما لا شك فيه أن المسرح بمفهومه الثقافي ظاهرة حتمية وضرورية للمجتمع إذ انه يلتزم
برسالة فكرية وفنية تهدف إلى تأصيل القيم الإنسانية بما يتفق مع قيم وغايات أي
مجتمع فضلا عن الارتقاء بذوق الجماهير وذلك بتنمية الحواس و العواطف إلى درجة من
السمو الترفع .و المسرح الذي يعتبر بحق أبو الفنون قاطبة تتجمع فيه كافة
الفنون التعبيرية كالإضاءة و الموسيقى و الديكور و الحركة و الرقص و الكلمة المعبرة
و الأغنية فقد انفرد هذا الفن بتلك الخاصية التي تتميز بتعددية مفرداته و التي
تتداخل في تناغم وانسجام بين بعضها البعض في صور و أشكال تبعث على التأثير و التأثر
مما يجعلنا نستشعر إننا أمام فن رفيع من شانه أن يعلم و يثقف ويمتع المتلقي بما
يعود على المجتمع بالنفع الكبير هذا المنطلق يأتي اهتمام جامعة السلطان قابوس
بإقامة المهرجانات المسرحية دعما و تشجيع لتطور و انتشار هذا الفن الرفيع وقد حضرت
فعاليا هذا المهرجان ومن ضمن العروض التي استرعت انتباهي عرض مسرحية " مجرد نفايات
" للكاتب الفنان قاسم مطرود ومن إخراج الفنان خالد العامري.
النص :
كتب النص وفق أسلوب (مونودراما) مسرحية الممثل الواحد وهذا النوع من النصوص ليس
بالهين فالبناء فيه صعبا لما سيتكبده الكاتب من مشقة كبيرة في إظهار أوجه الصراع
و الدقة في رسم الحوارات المناسبة للشخصية التي ستحاور نفسها بنفسها واختيار
المفردات اللغوية المناسبة أيضا بحيث لا تؤدي إلى تعب ذلك الممثل الواحد الذي
سوف يتحمل أعباء طرح النص على الجموع الغفيرة التي حضرت كي تتمتع بصوت
لاتشوبه شائبة وكلمات نطقها لا يبعث على الملل.
المونودراما
عالم مليء بالسحر والتوحد مع الذات ولا أبالغ إذا قلت أن هذا الجنس من أصعب الأجناس
الأدبية لأنه يعتمد على ممثل وحيد, هو الحامل الرئيسي لكل ما يدور من أحداث وأفعال
على الخشبة وبالتالي يتطلب قدرة وموهبة عالية وبحث دائم عن أشكال ومفردات جديدة
لإيصال فكرة العرض إلى المتلقي وتحكي المسرحية عن هم ذاتي يتقاطع مع مشاكل المجتمع
وأن هذه المعاناة إنسانية تدعو للالتفات إلى قضايا المجتمع وتلفت النظر إلى كثير من
المصادرات التي تحدث ..مصادرات للأشياء وللأفراد وللذمم و الضمائر الميتة ظل
النظام الذي يصادر كل شيء و أي شيء حتى صلة الرحم و الأخوة و الإخلاص و
العواطف يصادر أي شيء حتى الأحلام المشروعة و غير المشروعة.
أن لهذا العمل مجموعة من الرسائل وهذه سمة العمل الفني وطبيعة تكوينه و غالبا ما
تكون المواضيع المطروحة في مثل هذا الفن ذات طابع مأساوي يقوم البطل بكشف
سيرته الذاتية أمام جموع النظارة من المشاهدين حين اعتمد النص على مستويين
زمنيين هما فلاش باك المعانات في المعتقل و الوقت الحاضر بشكل رئيسي و بما أن هذا
العمل بالتحديد يلامس قضايا الإنسان وظروف معيشته وحياته و علاقاته الإنسانية
بالآخرين حتى ولو ذلك الآخر هو اقرب المقربين إليه أي البطل.
من هنا جاءت حتمية تعدد مستويات المكان وقد طغى الجانب السردي على لغة العمل وسادت
صيغة الفعل الماضي بوضوح بالرغم من وجود بعض الديولوجات التي تستحضرها الشخصية من
وحي ذاكرتها "_ الزوجة , المحقق , العسكري ".
في حين يقوم البعض بتمجيد المونودراما ويعطيها ما للمسرح من خصوصيات وعناصر بل
ويعول عليها في أنها يمكن أن تحفظ للمسرح قوته وخطوطه الكلاسيكية الخلفية من
الاندثار بفعل عوامل التغيير والتغير نجد أن البعض الآخر لا يعترف به أساساً
قائلا بأن المونودراما ما لها علاقة بالمسرح ويرمي بها بعيداً عن الفن المسرحي
معتبراً إياها نوعا من الديالوج المسرحي أو أي شيء آخر!
إلا أن هذا الرأي الأخير الذي ينسف كل جهود المونودراميين منذ أن خرجت إلى الوجود
منذ القرن الثامن عشر تقريبا يعتبر رأياً مجحفاً ولا يعبر كثيراً عن واقع فن
المونودراما التي نعرف بأنها قطعة فنية مسرحية فردية مصحوبة أحياناً بشخصيات
صامتة تعبير جسدي أحيانا أخرى بدأت الانتشار في ألمانيا في القرن التاسع عشر.
إلا أن أشخاص آخرون لا يخرجون عن ان المونودراما من المسرح فحسب
ولكنهم يتهمونها والمنفذين لها بأن لديهم شعورا متضخماً بالفردية وبالعظمة و
متناسين " أي فنانو المونودراما " أن المسرح هو في الأساس عمل جماعي اخترعته
الجماعة للتعبير عن نفسها، وبعيداً عن تجاهل البعض للمونودراما كفن مسرحي فإن
المونودراما فن يحفظ للمونودراما الكلاسيكية شكلها وكيانها وشروطها وقواعدها وهو
أيضاً تقدم في سياق مسرحية الفصل الواحد لكن يعبر عن موضوعها بتركيز وتكثيف شديد
محتوية على شروط الدراما الأصلية «الصراع، الحبكة، الشخصية» مع الاحتفاظ بالمكونات
الأساسية للتسلسل الدرامي المنطقي «البداية ، الوسط، النهاية» ولأن المونودراما
مركزة فلديها القدرة على تناول جميع المواضيع الإنسانية التي تتناولها الدراما
التقليدية والمونودراما سريعة الانطلاق إلى المتفرج لا تحتاج إلى الكثير من
البهارات الفنية لأنها تصل بسرعة إلى عقل المتفرج وقلبه نظراً لتركيزها واختصارها
ومن هذا المنطلق فإن المونودراما لا تبدأ بتمهيدات وشروحات بل العكس فانه يفضل أن
تبدأ بالحدث مباشرة ومن قمته بوجه التحديد بما يسمى منطقة الهجوم والمسرحية
المنودرامية يجب أن تتسم بالسرعة والايقاع المنضبط أي التوافق بين مجمل عناصر تكامل
العرض المسرحي من حيث " كلمة وحركة وديكور وإضاءة ومؤثرات صوتية وموسيقية" كتبت هذه
المسرحية – مجرد نفايات - بعناية فائقة وقد التفت المؤلف لجميع التفاصيل
ولم لا أليس المسرح هو فن التفاصيل كما يسميه فرحان بلبل في كتابه النص الكلمة
و الفعل حيث يقول المسرح فن التفاصيل شئنا أم أبينا وان أروع ما توصل
إليه فن التمثيل هو انه فن التفاصيل الذي حول هذا الفن من مجرد إبداع ذاتي
عند الممثل إلى علم يصقل الموهبة و الإبداع لكن فن التفاصيل عند بعض الكتاب اخذ
معنى آخر ومنحى آخر حيث تحول إلى الإسهاب و التطويل لذا يجب أن تنبع تلك التفاصيل
من عناصر الشخصية التي رسمها المؤلف وجزئية التاريخ أو ماضي الشخصية الذي
اخترعه الممثل من وحي مخيلته وقد أسهب الكاتب و الفنان قاسم مطرود في ذكر
تفاصيل الحركة و الإخراج كثيرا و هذا الأسلوب وجدته في اغلب النصوص التي
قرأتها له فهو يكتب من زاويته كمخرج لذا يحاول أن يضفي متعة على القراءة
بالنسبة للقارئ العادي ولكن باعتقادي أن ترك بعض التفاصيل لمخيلة
القارئ شيء جميل وهذا الأسلوب سيصعب على المخرج رسم الحركة الجديدة للمثلين لذا نرى
أن المخرج حاول التمرد على ملاحظات المؤلف في النص.
الممثل
لقد استطاع الممثل وهو الفنان الشاب عبد الحكيم ألصالحي أن يبرع في تشخيص باقي
الشخصيات ذات الحضور المجازي في العرض " الزوجة , المحقق " المسرحي
الجميل صحيح أن "المونودراما" فن يعتمد على الممثل الواحد- من هنا ربما بسبب
العلاقة بالموارد المادية- ولكنها من ناحية أخرى هي ليست مجرد ممثل واحد- إنما هي
في الحقيقة تحقيق نفسي وذهني في عقل شخص واحد لا ينفصل عن الشخوص المغيبة، بل يزيد
هذه الشخوص قيمة، إذ أن الممثل الفرد دائم الذكر لها،غير قادر عن الانفصال عنها،
لذلك تكتسب هذه الشخوص حضورا قويا وقادرا وان لم تظهر.
إن فن "المونودراما" فن يسعى إلى التكثيف لا إلى الاختزال- وان العمل الواحد الذي
يقدمه في فترة زمنية معينة إنما يمثل عملا مسرحيا كاملا، رغم كونه استغنى عن الفصول
واختزل الزمكانية. لقد حقق هذا الفن لنفسه مكسبا مسرحيا مرموقا في الكثافة والعمق
فاقترب بهذا من فن الشعر.
ولكن يجب ألا ننسى أهمية الحفاظ على روح المبادرة لدى الممثل كي يعطينا النتيجة
المطلوبة أداءً للشخصية وفهماً لها .
وعلى اعتبار أن العمل المسرحي المعتمد على الممثل الواحد – المونودراما – يُعد من
أعقد أنواع العمل المسرحي كتابة وتجسيدا كان التأكيد المستمر على أهمية الالتزام
بالقواعد العامة المتعارف عليها والمعترف بها في هذا الجنس المسرحي القديم-الجديد .
إن أهم ما يتم التركيز عليه في العمل المسرحي المعتمد على الممثل الواحد هو
الإمكانيات التي يجب أن تكون متوفرة لدى الممثل كي يستطيع لا من إقامة حالة جيدة من
التواصل بين خشبة المسرح وصالة المتفرجين فحسب بل والمحافظة على هذا التواصل منذ
بداية العرض المسرحي وحتى نهايته, بل وتبدو مهمة ممثل المونودراما مضاعفة باعتباره
المسئول الأول والأخير, فهناك عامل آخر إلا وهو النص المسرحي الذي غالبا ما يقدم
لنا على بساط البحث شخصية تمتلك تاريخاً طويلا من الهموم والعذابات التي دفعتها
دفعا إلى لحظة البوح التي لن نكون معنيين بها وبما سيسفر عنها من استدعاء سلسلة
طويلة من الأحداث المغرقة في القدم والشخصيات المتعددة ومختلفة المشارب إذا لم
تقدّم في إطار جمالي محكم البناء قادر على جذب اهتمام الجمهور , وإذا كان النص
المسرحي ذو الشخصيات المتعددة يتطلب ما بين المشهد والآخر حدثاً دافعاً للخط
الدرامي في العمل المسرحي فإن نص المونودراما يتطلب في كل جملة منه حدثا أو موقفا
أو حتى إشارة لم تكن متوفرة أو معروفة للمشاهدين , لذلك فإن أي تكرار في فكرة أو
جملة أو حتى كلمة في نص المونودراما سيؤثر سلبيا على العلاقة الحميمة التي قد يتمكن
العرض من إقامتها مع جمهوره.
إن الغنى المطلوب توفره في نص المونودراما لا يعني أن يقوم كاتب المونودراما بحشوها
بما قد يخطر على باله من أحداث وشخصيات , بل عليه أن يكون دقيقا في اختياراته دون
الوقوع في مطب تحويل العمل إلى سلسلة غير متناهية من الأحداث والشخصيات التي يكاد
لا يربط بينها رابط , والتي قد تفقد ما يربطها بالشخصية موضوع البحث. على أن هذا
التصاعد المتواتر يجب ألا يؤثر سلبا على أداء الممثل الذي ينبغي عليه توزيع جهده
على مدة زمن العرض المسرحي لا أن يستهلك طاقته التمثيلية والأدائية والجسدية خلال
الدقائق العشر الأولى ثم يقضي بقية الوقت منتظرا مع المنتظرين نهاية العرض المسرحي
الذي سيتحول بالتأكيد إلى عبء على الممثل ومشاهديه .
وفي هذا الإطار يمكن تحديد نوعين من الإيقاع في عرض المونودراما أولها الإيقاع
الداخلي للمثل والذي يتعلق بشعوره بالشخصية والحدث والزمان والمكان وطبيعة تعاطي
هذه الشخصية مع كل ما يحيط بها .. ثانيها انعكاس فهم الممثل لكل هذه العناصر على
الجمهور بالقياس إلى درجة تفاعله مع ما يُطرح عليه من وقدرة الممثل وأهمية النص على
استكمال جميع جوانب الشخصية وتكوينها النفسي و الاجتماعي واستيفاء كل متطلباتها و
ضبط إيقاع العمل من بدايته وحتى نهايته.
الإخراج :
يظل الإخراج أحد السمات البارزة في أي عمل مسرحي، ويعتبر من المكونات الرئيسية
لعناصر المسرح، خاصة إذا كان هذا المخرج أوغيره من المخرجين يضع في مخيلته الاهتمام
بجميع عناصر العرض المسرحي، وبالتالي يوظف كل تلك العناصر مجتمعة لخدمة النص
المونودراما هي تحد للمخرج وللمثل على مبدأ أنا سأكون وحدي على الخشبة وسأقنعكم
أنني أستطيع أن أبني عالماً.. الكثيرون من الممثلين يخافون من خوض هذه التجربة أو
التصدي لها.. لأنها بالدرجة الأولى تفضح أدوات الممثل والمخرج.. لأن المخرج بحاجة
إلى مجموعة من الحلول ليساعد فيها الممثل لكي يستطيع أن يمسك بالجمهور في زمن
العرض..
مخرج العرض هو الفنان الشاب المبدع خالد العامري الذي عرفناه ممثلا مبدعا على
المسرح ومبدعا على شاشة التلفاز حيث لعب عدة ادوار عرفه الجمهور من خلالها وأجاد
فيها كلها كما أجاد في إخراج هذا العرض بقيت لدي بعض الملاحظات ا حول أسلوب
العرض .
استخدم المخرج مقدمة استهلالية للعرض وهي عبارة عن فلم ممنتج عن فلم عالمي واستخدم
كفن من فنون الميديا واستغله لتقديم تتر اسماء طاقم العمل من مخرج ومؤلف و ممثل
وباقي فنيي العرض مع مؤثر موسيقي جميل باعتقادي كانت جميلة وممتعة ولكنها لم
تخدم العرض كثيرا .
التزم المخرج بتوجيهات المؤلف وتمرد على بعضها خصوصا في الحركة وتصميم الديكور أو
ربما لم يستطع تنفيذها .
أن المخرج كما يخيل إلي إما لم يأخذ قياسات الخشبة قبل تصميم وتركيب الديكور " وهذا
غير معقول لان المخرج من خريجي نفس الجامعة وتربى على هذه الخشبة وباعتقادي خبر كل
مساوئها ومحاسنها وعرف كل خباياها " أو كان من المفترض أن يقدم العرض على خشبة مسرح
آخر فوضع قياسات الديكور وفق قياسات المسرح الآخر " وهذا محتمل " وذلك بسبب حجم قطع
الديكور جاءت كبيرة بعض الشيء و لم تتناسب مع قياسات وحجم خشبة المسرح وكان
واضح البتر في بعض القطع من الديكور .
قسم المخرج المسرح إلى ثلاث كتل بصرية شاشة عرض سينمائي وسط أعلى خشبة المسرح وسلم
صغير يعلوه باب ليوحي لنا بأنه باب مدخل المنزل على يسار مقدمة المسرح و منصة
دائرية متحركة ركب عليها خشبة دائرية بثلاثة مناظر " زنزانة السجن ,
غرفة التحقيق , غرفة التعذيب أو حاوية القمامة " وسط يمين المسرح .
إن تقارب هذه الكتل البصرية من بعضها البعض و عدم تناسب حجمها مع المكان أدى إلى
تداخلها مع بعضها البعض في بعض الأحيان من بعض مواقع الصالة وطوال فترة العرض من
بعض المواقع وهذا بالتأكيد سيؤدي إلى تشتت أذهان المتفرجين أثناء العرض المسرحي .
ارتدى الممثل طقم ملابس احمر شبيه بملابس المحكوم عليهم بالإعدام وهذا يكشف بان هذا
الشخص محكوم عليه بالإعدام من أول وهلة و لا أظنه مناسبا فلو اختار أي لون آخر لكان
انسب وطبيعة العمل .
على كل حال العرض المسرحي كان ممتعا وجميلا بشكل عام وقد أبدع الجميع مخرج وفنيين و
ممثل أما الممثل فقد قدم ادءا رائعا لو انه خفف من المبالغة في البكاء و الصراخ في
بعض الأحيان لكان أروع .
ملامح ما بعد الحداثة في النص المسرحي العراقي (مجرد نفايات نموذجا)
دراسة : شاكر عبد العظيم
يشكل
فكرما بعد الحداثة أهمية بالغة على الأصعدة كافة وفي كل المجتمعات الإنسانية دون
استثناء وذلك نتيجة نزعته الشمولية والحداثة التي سبقته وارتبطت به تعد من أهم
مرجعياته بسبب كونه قائماً من خلالها ومن خلال وجودها الممهد له ،إذ قامت الحداثة
برسم مسارات جديدة للإنسان امتلك عبرها رؤيته الجديدة للعالم ولنفسه (في عصر النهضة
الأوربية ومن ثم العصر ألأنواري)، تلك الرؤية التي اختلفت عن العصر الكلاسيكي ، حيث
حاولت الحداثة الاعتماد الكلي على النزعة الإنسانية والتشريع للإنسان بذاته
فأصبح الإنسان هو المركز، كما حاولت التأسيس بناءاً على العقلانية وإقصاء المتخيل
الأسطوري والميتافيزيقي، مما أدى إلى قيام الثورة الصناعية والعلمية في كافة
المجالات في الحياة الأوربية .
ولان ما بعد الحداثة قائمة على أنقاض وتقويض الحداثة ، لذا فإنه من الممكن تحديد
ملامحها في ظل علاقتها بها وهنا سنجد إن أي تعريف لما بعد الحداثة يستلزم نبذ
اهتمام الحداثة بتفرد المعنى وخصوصيته ، كما إن من أهم مميزات عصر ما بعد الحداثة
،هو الاستهلاكية (عصر الوفرة )، فالاستهلاك هو المحرك الرئيس لمجتمع ما بعد الحداثة
، ولا تعد مسألة الوفرة عيباً في نظامه بل لان المجتمعات تهدف من خلالها للوصول إلى
تلك الوفرة ، ولم تتوقف التسميات عند هذا الحد بل سمي بعصر المجتمعات الصناعية
والإعلامية ومجتمع التكنوقراط ، وتميز أيضاً باعتماده المعلوماتية وتخطي حدود
الدولة مما ساعد على تحطيم البيروقراطية ، وأدى إلى تحولات طالت كافة مستويات (الكل
الاجتماعي) ، وتميز بخضوع الأشياء لقانون الموضة .
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية يبدأ عصر ما بعد الحداثة في الغرب(على وفق بعض
الآراء لمفكرين), ومثلما تغير حال المجتمعات الغربية بعد أن خاضت حربين عالميتين
متجهة نحو الاستقرار والنمو بدأت أفكار ما بعد الحداثة بالظهور بالضد من أفكار عصر
الحداثة التي شغلت النصف الأول من القرن العشرين , فقد بدأ عصر الوفرة والاستهلاك
والشركات العابرة للقارات والفضاء الرقمي والعولمة والديمقراطية والليبرالية وترسخت
التيارات البنيوية في كل الحقول المعرفية وتلتها ما بعد البنيوية من تفكيكية
وسيميائية وتاويلية ، وهكذا ظهرت ثقافة جديدة وظهر إبداع جديد كذلك في الفنون
والآداب.
أما في المسرح فقد سادت نصوصاً وعروضا وتقنيات, مجموعة من القيم الجديدة التي فتحت
الحدود بين الفنون والثقافات المتجاورة وغابت القوالب النموذجية بين الأجناس وتهاوت
الحدود والفواصل. وتداخلت الأساطير والخرافات مع الواقع وتماهى الوعي مع اللاوعي
وظهرت الرموز الخفية للإنسان وتمزقت مركزية البطل والحضارة الواحدة والفحولة
والذكورة والسلطة ليتمرأى كل ذلك السيل من الأشياء في النص والعرض المسرحي .أما في
عالمنا العربي فقد تجلت أشكال ما بعد الحداثة في المسرح في بعض النصوص
والأعمال رغم هيمنة منجزات الحداثة والكلاسيكية واختلاطها بها وعدم التخلي عنها .
إن نص ما بعد الحداثة المسرحي يعد (نصاً مفتوحا) وهو يتسم بطابع التعدد والتنوع
ويشهد على بلاغه متعددة تفتقد لكل شكل أو هيأة محددة ، وهذا المرتكز الجديد شمل
أيضاً كل مفاصل اللغة والأدب والفنون الأخرى ، إلا إن المسرح قد إنماز بغياب
القولبة التي عهدها في زمن الحداثة ، وكما هو معروف عن المسرح بناءاً على احتوائه
الفنون جميعها سواء أكان نصاً أم عرضاً فضلاً عن تعاضده - أي المسرح - مع
الآداب بكافة تنوعاتها في إنتاج تلك النصوص فأنه لا يمكن له أن يميط اللثام عن تيار
فكري حديث لأن ذلك سيكون عكس طبيعته ( مسايرة الحياة والتعبير عنها ) منذ أن بدأ
وحتى اليوم. فالمسرح يتلاحم مع كل الطروحات الفكرية الجديدة على اختلافها .
والحداثة التي انطلقت بفعل مرجعيات متعددة من أهمها المرجعيات الفلسفية ، أي أنها
نابعة من منطلقات فلسفية ,عبر طروحات لفلاسفة من أمثال : ديكارت(في الكوجيتو) ,
وكانت (في السببية), و لايبنتز(في المونادا) و (عدمية) نيتشه وماركس و فرويد إلى
كثير من الأسماء التي مارست دور الموجه لسيرها وهي تشق طريقها باتجاه تأصيل فكر
الحداثة لتتموقع وتتموضع عبر ركائز تمتلك متانتها وحصانتها الملحة كضرورة حياتية
تحاول تفريغ خزانات الذاكرة البشرية من موروثاتها ومألوفياتها المعتادة لتعتمد أسس
التجريب والعلمية في النظر للأشياء. أما في العراق فلم تتمظهر أطر ما بعد الحداثة
في المسرح على مستوى النص إلا في نصوص معدودة ولكتاب لم يشكلوا يوماً مركزاً أو
بؤرة للمركزية بل كانوا يمثلون هوامش وان كان إنتاجهم غزيراً ونوعياً . إلا أن ما
بعد الحداثة تجلت في العرض المسرحي العراقي أكثر منه في النص .ففي النص وجدنا أن
الكاتب والشاعر (خزعل ألماجدي) في جل نصوصه (هاملت بلا هاملت ، سيدرا ، حفلة الماس
، اكيتو، عزلة في الكريستال ، .....) حيث سيتم تناولها في مقال قادم . يقف في مقدمة
الأسماء العراقية والى جانبه مجموعة كتاب عراقيين منهم (قاسم مطرود ، فاضل سالم ،
علي عبد النبي ). إذ يتمثل جزء من منظومة ما بعد الحداثة في نصوصهم المسرحية .كون
تلك المنظومة لم تجد التربة الخصبة لتزدهر في فضاء الفن العربي ، والعراقي المسرحي
وتنمو، بقدر وجود مناخات هنا وهناك تحتوي هذا الجزء منها أو ذاك ، وبالإشارة إلى
نصوص لهؤلاء الكتاب وذلك في مسرحية (مجرد نفايات) ومسرحية (القطار النازل إلى
الحرب) و(قمامة) كنماذج تمثلت فيها بعض طروحات ما بعد الحداثة في البناء النصي .وهي
مثالنا على طرحنا لهذه الرؤية.
بالنسبة لمسرحية ( مجرد نفايات ) ل( قاسم مطرود ) وهي مسرحية مونودرامية بشخصية
واحدة , غير معلن عن اسمها . تعاني أزمة نفسية مريرة جرٌاء ماضيها الذي لا تستطيع
الخلاص منه , ولأنها سجنت وتعرضت لأشد الآلام والتعذيب من قبل السلطة،التي ارتأت أن
تساومه , فأما أن يموت على طريقتها أو يعمل لصالح تحقيق رغباتها ومراميها في الخلاص
من أعدائها أو المناوئين(للسلطة) حتى لو اقتضى الأمر قتل الآخرين ، وبهذا
ستكون هذه الشخصية وسيلة قمعية،انه رجل كما يقول عن نفسه (جبان) ليكون
بديهياً اختياره الطريقة الثانية , فهجرته زوجته وولديه ، وأصبح منبوذاً بفعل
اختياره الخاطئ ، لنجده طوال زمن العرض يبحث عن طريقة للموت والخلاص قبل أن يأتي
عمال النفايات ، وقد رسم المؤلف فضاء العرض ورممه بتلك النفايات التي اتخذت منها
الشخصية ملاذاً لها ، ما أدى إلى أن نشعر في النهاية وقد تحولت الشخصية إلى نفاية
كباقي النفايات المتراكمة والتي يعجز عامل النفايات عن تنظيفها حتى، لذا يغادروها
دون إن يزيلوها من الوجود.
وربما تكون هذه النتيجة قد شكلت مفتاحاً لثيمات أخرى قام المؤلف باختزالها بخيوط
رئيسة منها . جرس الهاتف الذي يرن دون أن يجاب , وعمال النفايات . والنفايات نفسها
ماضي الشخصية المر , وواقعها الأليم , بيته الذي يريد حرقه , ومن ثم فإنها مفتاح
يستدل به إلى أن الشخصية تريد الخلاص من ماضٍ ترزح تحت وطأته ويجثم على كاهلها ومن
حاضر ليس فيه سوى النفايات، إن هذه الثيمات في نص (قاسم مطرود) تكون قد توزعت على
شكل أحداث وحكايات تمر بها الشخصية بتراتبية فوضوية ناتجة عن المناخ الذي يحتوي
البطل , وترتبط جميعها بفكرة الخلاص من الحياة لا من الموت ، وهنا يتساوى العدم مع
الحياة ذاتها ، فيكون العدم مطلب حتمي للشخصية يتفوق على الحياة بكل ما تعنيه من
وجود (للوجود) الذي يشكل غاية الإنسان ، وضع المؤلف شخصيته في بيئة تكونها الأقذار
والأوساخ والنفايات كما يضع بيكيت شخصياته في أماكن قميئة كهذه.
يقوم الشخص المقذوف في هذا الواقع بتفعيل دلالات تتحول في فضاء النص من حالة إلى
أخرى ومن هيئة إلى هيئة لتدعيم أفكار النص كتمزيق كل الكتب والمجلات التي يمتلكها
ابتغاء قتل الزمن الذي يربطه بالماضي وبالثقافة التي تأسست عليها بنيته
الاجتماعية , وقد يشير المؤلف بذلك , وفق قراءة تعددية تبعاً(لدريدا) , إلى عدم
توافق الواقع للتبدل الجديد الحاصل في الحياة , من خلال التكنولوجيا وأساليب
التواصل الحديث , ويساند هذه الفكرة مسألة عدم الإجابة على (الهاتف) الذي يرن حتى
بعد نهاية المسرحية , إذ لا تواصل بين الشخصية في واقع مر وبين الماضي والحاضر وكذا
مع العالم الخارجي , أن المؤلف يدعو للتواصل ولكن ليس من خلال واقع يشكله الركام
والخراب , وهو واقع تؤثثه الفوضى واللاجدوى والعبث ما يذكرنا بشخصيات ( بيكيت ) لا
سيما في( انتظار غودو ) اللذين يقفون إزاء الخراب واللاتواصل كمهرجين لا يفعلون
شيئاً . ولسنا هنا بصدد المقارنة وإنما لتأكيد تقارب المناخين في النصين.
لقد تشظت الحكاية وتداخلت وتفرعت فمن الخوف من السلطة إلى الحصول عليها ثم رفضها,
من مواجهة الموت إلى الهروب منه ثم الذهاب إليه, ومن اعتناق الثقافة السائدة إلى
تمزيقها وتحويلها إلى أكوام من النفايات , وتجدر الإشارة هنا إلى وجود أكثر من
دلالة رمزية بحيث لا يمكن الوقوف على معنى معين لمفردات مثل الهاتف الذي يرن منذ
بداية الأحداث حتى إلى ما بعد نهايتها , وعمال النفايات , والسيارة التي ينتظرها
الشخص ( الشخصية المونودرامية ) , ومن ثم تمزيق أي كتاب يقع بين يديه , أنها يمكن
إن تقرأ على أكثر من شفرة , وبأكثر من مستوى من التحليل لان النص احكم ـ من قبل
المؤلف ـ انفتاحه على تأويلات كثيرة قابله للتشظي والتعدد والتنوع ،لان النص يتطابق
مع (واقعات- واقع)مختلفة ،والشخصية تشير إلى (شخصيات) مختلفة ،والهاتف يرن لفترات
مختلفة والكتب إلى جمع العديد من الثقافات لتنوع مؤلفيها وتنوع جنسياتهم وكل ذلك
يتحول في النهاية إلى عالم من النفايات. الشخصية كنفاية مثل بقية النفايات ما
يجعلها دلالة متساوية مع باقي دلالات النص , وبتحول الأشياء إلى نفايات , يتم إعلان
موت المركزية التي يتمتع بها الإنسان ليتحول إلى شيء لا مركزي، فقد تساوت الأشياء
جميعها ، وحتى العنوان لم يمنح هذه النفايات أهمية تذكر إذ جعلها مجردة من أي شي
(مجرد نفايات) لا تغني ولا تضر، وجودها يوازي عدمه ،وذلك ما يمنحه الكاتب لاشياءه
التي يريد الإطاحة بها ،فالأشياء لا تمتلك عمقها السابق ،لا في الشخصية ولا في
سواها ،إذ تسطحت وفقدت أعماقها التي كانت عليها،فاشتغلت اللامعقولات ،
اشتغلت المسرحية على أهم التحقيبات التي مرت بها الشخصية وهي ثلاث الأولى تكمن في
الحياة العادية التي كانت تعيشها قبل الدخول لمرحلة الصراع مع السلطة ، والثانية هي
دخول غمار المعركة مع ألذات والأخر / السلطة ذاتها ، أما الثالثة فهي مرحلة الهروب
والتداعيات المرة ، مرحلة المصير الذي تسير الأحداث باتجاهه ترافقها شخصية البطل.