تقنيات تكوين الممثل المسرحي

صباح الأنباري

ما علاقة الممثل بالعرض المسرحي إخراجاً وتأليفاً؟

سؤال لم يطرحه واحد من الصحفيين أو المسرحيين على الراحل الكبير قاسم محمد، ولقد آثر هو أن يطرح السؤال على نفسه ويجيب عنه بدراسة باتت شبه منسية على الرغم من عظم أهميتها. هذه الدراسة تضمنها كتاب (تقنيات تكوين الممثل المسرحي) الذي تناوب على تأليفه د. إبراهيم عبد الله غلوم، والفنان الكبير قاسم محمد، ود. عوني كرومي. وقد جاء في مدخلها:

"إن من جملة ما يعانيه المسرح العربي من مشاكل وأزمات في جوانب تكامله المتعددة، أنه يعاني من مشكلة إعداد العناصر الفنية وعلى رأسهً[ا إعداد الممثل وتجديد أساليب عمله الأدائية وإخراجها من نمطيات متوارثة ترث وتتقادم إلى حالات فنية – جمالية مدهشة"

المخرج الكبير قاسم محمد يضع إصبعه منذ البداية على موضع الجرح في العملية المسرحية العربية ويستخدم مشرطه ليزيل الأورام المستشرية في كيان الممثل العربي من سنوات طويلة مع موروثها المرضي الذي أصابه بحمى النمطية والتكرار ليوجه دعوته إلى تحرير الممثل من الميكانيكية والنمطية بإخراجه من قمقمه ليلج العالم المسرحي الفسيح الذي يمنحه آفاقا واسعة شاسعة لبناء ذاته وتوسيع دائرة حلمه بمسرح جديد متكامل.

على الممثل أن يفهم جوهر علاقته بالنص المسرحي أولا والمخرج باعتباره مؤلفا للعرض ثانيا وفريق العمل ثالثا ومن ثم علاقته بالعناصر الدرامية الأخرى سعياً وراء تكامله وتجديد قدرته على الأداء الفني الإبداعي المتقن. إن المكونات الأساسية لأي عرض مسرحي هي: النص، والإخراج، والتجسيد فاذا أراد الممثل الوصول إلى التكامل المنشود فان عليه النظر إلى هذا الثالوث بقداسة تؤدي إلى استنباط جوهره وفهم مكنونه وجملة الأفكار المنبثقة عنه، والحرص الشديد على تبنيها بل على تفاعلها داخل مختبر روحه الحالمة. فالنص هو ما سيعمل على تجسيده فريق العمل كله، كل حسب تخصصه، أما الإخراج فهو "إعادة تأليف النص وفق عرض مسرحي فني مرئي ومسموع ومحسوس وملموس ضمن وحدات قوانين وأساليب الإخراج سواء المتوارثة أم المستحدثة أم المبتكرة" أما التجسيد فهو "التطبيق العملي لعناصر الفعل المكتوبة والمتخيلة من خلال النص والمخرج والممثل والمصمم"

الدراسة في هذا المجال استشهدت بأقوال عدد من الفنانين البارزين مثل د. جواد الأسدي، وبوبوف، وبلينسكي وغيرهم. ومن الممثل انتقلت إلى المؤلف التي عرّفته على انه "ذلك الإنسان المميز غير العادي لأنه لا يمر إلى جانب الأشياء والظواهر والأحداث بلا مبالاة إنه يهتم، يبالي، ينتبه- يلتقط من الحياة كل ما يمكن أن يمده بمادة أثره النصي الذي يقلقه ويثير مشاعره ويوقظ أفكاره" وإن هذه الحياة بما فيها من صراعات، وتناقضات، وانتكاسات، وخير وشر، وأحلام وكوابيس، وشخوص وأفكار تمنحه تفاصيل لا غنى له عنها في القدرة على التعبير ضمن نصه المكتوب الذي يتبنى وجهة نظره إزاء العالم والحياة التي تتحول إلى جزء يقيني من حلمه الكبير.

أما المخرج المسرحي فقد تحول (حسب رأيه) من منظم إلى خالق وشتان بين الخالق والمنظم. فالمخرج كما يقول بوبوف هو: "ذلك الساحر الخفي، والمفكر في المسرح، إنه ذلك الكيان الخفي عن عين المشاهد إنه ذلك الممسك بكلتا يديه خيوط ماكنته المسرحية المعقدة كلها إنه ذلك الموجه للإرادة الإبداعية الخلاقة للفرقة المسرحية" والاهم من هذا كله انه القادر على إيقاظ الطاقات الذهنية والروحية والشعورية الكامنة لدى المشاهد عن طريق التحكم الفريد في العلاقة التكاملية. وعندما يتم التطرق إلى التكامل والتكاملية فان الأستاذ قاسم محمد يوضح لقارئه إنها تعني الانسجام التام بين عناصر العمل التي أشرنا إليها سابقاً ولا تتم إلا بعد تمام عدة مكونات يمكن إجمالها فيما يأتي: التكافؤ، والتكافل، والتفاعل، والتداخل، والتواصل. وبتضافر هذه المكونات يصل العمل إلى (اللحظة المضيئة) كما يسميها قاسم محمد وهنا يشمل التكامل بإشعاعه المشاهد أيضاً كعنصر متمم للعملية المسرحية.

على الممثل أن يخلق في كل دور يلعبه حياة إنسانية كاملة بروح ينبغي أن تظهر كل النواحي الجسمانية والفعلية والعاطفية وهي تحيا حالة من التقارب مع روح المؤلف ولكي يتحقق هذا الهدف الجميل فأن عليه الغوص في النص لتحليله وتفكيكه ودراسته وسبر أغواره القصية على ألا يتحول الممثل إلى ناقل للنص حسب، بل عليه أن يكون مساهما مع المؤلف والمخرج في خلق الشخصية بأسلوب فني إبداعي وديناميكي. ومن اجل تحقيق هذا عليه أيضا أن يتدرب كل يوم على استنباط أغوار الشخصية والوصول إلى ما لم يتم الوصول إليه سابقاً فضلا عن عمله الدائم على خلق التكامل الفني للعرض المسرحي عن طريق إدامة علاقته بالمؤلف والمخرج وبقية العناصر الفنية الأخرى.

باختصار شديد على الممثل أن يكون مبدعاً، وان يتحلى بصفات المبدع التي هي الضمانة الأكيدة لعدم تعنته وتناحره، وهنا يوجز الأستاذ قاسم محمد تلك الصفات قائلاً:

"أحسب أن من صفات المبدع الذي يسعى حقاً إلى التكامل هو أن يكون هذا المبدع: عادلاً، منصفاً، محباً للإبداع وللمبدع الآخر".