حسين التميمي البعقوبي

أسوأ قصة في العالم.. حيرة متراكمة

 

هذا الخؤون.. ماكر جدا.. يعرف متى يضعك على حافة الرحيل.. لم يقلقني الأمر كثيرا.. بل آلمني جدا.. حتى تقت للبعاد. أتمنى لكم الصحة والسلامة. حسين البعقوبي. (*)

أسوأ قصة في العالم:

عنوان مثير يدخل القارئ في حيرة كبيرة فيطرح السؤال الآتي: لماذا يحكم الكاتب على قصته أنها الأسوأ في عالم القصة؟ ويثير هذا السؤال فضولاً كبيراً لمعرفة السبب أو الأسباب التي دعت الكاتب الى إطلاق حكمه التعسفي هذا على قصته. ويساورنا الشك في انه أراد إثارة فضولنا حسب، وقد أثاره فعلاً فرحنا نبحث عن السر الكامن وراء هذا الحكم الخارج عن التقليد، ووجدنا أن توصيفه للقصة كان مختلفاً في افتتاحيتها عنه في عنونتها إذ يقول في جملتها الافتتاحية:   

(لطالما فكرت مراراً وتكراراً أنني سأكتب يوما ما.. أغرب قصة في العالم)

وفي هذه الجملة ثمة مفردة مهمة هي (أغرب) التي وردت بدلا عن (أسوأ) والكاتب يعرف الفرق بينهما بالتأكيد وفي الحالين جعل غرضه المغايرة عن السائد والمألوف من تلك القصص (المستحيلة) على حد زعمه، وما أن نبدأ رحلة دخولنا الى عالم القصة يزول عنّا كلّ شك رافقنا، أو حيرة أسقطتنا في شباكها حين صرح الكاتب متحمساً اجتراح (الأغرب والأسوأ) وهما مما يبتلى به الكتّاب عادة قبل بلوغ العشرين عاماً من العمر. وعلى الفور يعلن الكاتب انه كان مجرد شاب غر لا يفكر إلا بالأمور الغريبة والخارقة التي تعلو على قدراته الحقيقية، وتتجاوز المعتاد والتقليدي. وسرعان ما يعلن أنه كان مجرد حلم راوده في مقتبل العمر. يقول مغيرا السياق:

(اليوم وبعد مرور كل هذه السنوات راودتني الفكرة ولكن بطريقة أخرى)

وهذه محاولة ناجحة في تدوير الفكرة في ذهن القارئ ليدخل في تعامل مختلف من الناحية الذهنية التي تتنافر مع الحماسة الشبابية المفرطة منتجة حالة من إعداده وتهيئته للتعامل مع العنونة بشكل مختلف ومنسجم مع أفكاره التي استفزها كاتب القصة. وبطريقة ما وجد الكاتب نفسه مقحما في القصة، وبدلاً من أن يكتبها فإنها كتبته على حد زعمه بل أرغم بطريقة ما على أن يكون بطلاً لها وهذا أمر ليس فيه من الغرابة ما يذكر فقد سبق لكتاب آخرين إن طرحوا أنفسهم داخل نصوصهم الأدبية وكاتب هذه السطور واحد منهم. لكن الغرابة عندما يجد الكاتب نفسه موجوداً داخل القصة وخارجها في آن واحد كما سنرى، وهذا ما لم يعرف الكاتب كيف حدث أو جرى وكل ما عرفه فقط هو انه موجود في القصة وجوداً فعلياً لا لبس فيه.

هل لجأ الكاتب إذن الى تقنية مبتكرة؟ هل أراد أن يمرر علينا لعبته الفنية؟ هل استطاع ذلك فعلاً ولنا عيون ترصد المسكوت عنه، وما خفي وراء سطور قصته؟ ويسرع الكاتب بالإجابة بدلاً عنا قائلاً:

(لأنني وببساطة شديدة كنت موجودا داخل القصة أو المشهد القصصي بكل حذافيره ولم أكن موجوداً فيه في الوقت ذاته أو بمعنى آخر لنقل إنني عشت تلك الأحداث ولم أعشها بطريقة ما.. ولكن.. وضمن حدود الواقع والمنطق.. ربما عشتها.. وربما لم أعشها.. هذا إذا افترضنا أن ثمة منطقاً وواقعاً يتفق عليه.. داخل المتن)

ومن هذه الجمل نتوصل الى انه أراد لنا الاستمرار في حيرتنا لوقت إضافي ليمرر بوساطة تقنيته الخاصة أموراً هو لم ينتهِ منها بعد كأفكار، ولم يستقر عليها، ولم يرد منا الثبات عليها أملاً في تهديم قناعاتنا الأولية التي ربما سنغيرها بعد حين أو بعد قناعات جديدة. وعلى الرغم من أمنيته المعلنة في انه لا ينوي من خلال بوحه أن يحرك في نفوسنا عامل التشويق والإثارة مع انه أثارهما فعلاً بقصد وبدون قصد. عند هذه النقطة يكون القاص قد انتهى من تقنية التحاور مع القارئ وطرح الأفكار الأولية عليه وبدأ قصته:

(القصة بدأت لحظة أن اكتشفت أنني أتجوّل مساءً على الرصيف المحاذي لنهر خريسان في مدينتي بعقوبة)

محددا مكان الحدث (رصيف نهر خريسان) والفعل الحركي (السير على رصيف خريسان) لسببين: الأول في سبيل النظر الى مكان القصة كوجود واقعي معاش، والثاني في سبيل الإحساس المتبادل من خلال المشترك بين القاص واغلب سكان المدينة (القرّاء) الذين اعتادوا السير مساءً على رصيف نهرهم الهادئ، والسببان يقرّبان حالة المعايشة المشتركة في الواقع المعيش وفي واقع القصة أيضاً. وأول ما لفت انتباهنا مع هذه المقدمة هو أن القاص كان عابراً للزمن فلم يكن بعمره الحقيقي. وقد ساورنا الشك انه يريد منا الاعتقاد أن قصته حدثت في زمن مختلف عن زماننا أو انه يريد اللعب على الزمن مسافراً الى هناك (الى الماضي) أو الى أي زمكان يشاء، فهل سيحدث لنا هذا فعلاً كما في أغلب أفلام ودراما عبور الزمن إن لم أقل في كلّها؟ أم انه يريد منا الشك التام في أن ما يحدث في القصة مجرد حلم من أحلام الكتّاب بعد أن أوعز لنفسه بهذا التنبيه؟

(وهذا تنبيه لوحده يكفي لكي أفكر بأن الأمر برمته مجرد حلم لا أكثر)

مع انه يشعر بوجوده الحقيقي في المكان مستدلاً عليه سمعياً وبصرياً، وآملاً في أن يكون ذلك (قبل عشر سنوات) وهو الواقع الذي يتمناه لنفسه فعلاً، لما كان يتمتع به من قوة، وصلابة، وقدرة على الحركة الدائبة الرشيقة، ويتمنى أيضاً لو أن عمره الحقيقي كما هو في الحلم (قبل عشر سنوات خلت) وليس العكس. ولا ينسى الكاتب أن يمنحنا معلومة تدل على تغير المكان بعد مرور قاس للزمان (السنوات التي خلت) إذ لم يعاود السير على ضفة النهر لأنه صار أثقل وزناً، وأقل حركة، وأكثر خضوعاً للملاحظات الزوجية التي أخذت تتراكم شيئاً فشيئاً حتى استحالت الى ركام من المقيّدات الثقيلة.

على ذلك الرصيف التقى بعامله القروي الخجول (وجدي) الذي ظنّ انه قتل على يد أزلام تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ولم يكن يدري انه اختطف من قبلهم وبقي على قيد الحياة بعد أن فشلت كلّ محاولاتهم لتجنيده ضمن تنظيمهم الإسلامي.

(لم يكن وجدي إلا مجرد عامل من ضمن عدد من العمال الذين عملوا معي في الورشة الكهربائية تباعا)

ولكنه اختلف عنهم جميعا بميزات كثيرة مثل نظرته للأشياء وهو لم يكمل تعليمه، شجاعته قوته، بساطته، تواضعه، تصرفه المشوب بالغرابة، وعلاقاته الغريبة مع نساء يكبرنه سناً. ومع أن القصة انتقلت الى لقاء الكاتب بوجدي إلا أن الكاتب لا يزال مصراً على محاورة القارئ ومكاشفته عن آلية اشتغال القصة وتقنيتها بطريقة انتقادية:

(أعلم جيدا أن ما سبق الحديث عنه يبدو مملا إلى حد ما، ولا علاقة له بما أخبرتكم به عن أغرب قصة في العالم لكن صبرا.. وعذرا لأن شوقي للقاء وجدي قد أنساني أو حرفني قليلاً عن إخباركم بتفاصيل القصة)

للكاتب بعض التلميحات المهمة التي تجدر الإشارة إليها لأنه تقصدها مثل حديثه عن وجدي عامله المخضرم منذ عهد الديكتاتورية والى ما بعدها فظن أنه قد دسّ به لأغراض سياسية نظرا لأن عددا من الأدباء والمثقفين كانوا يرتادون تلك الورشة في أوقات مختلفة وفي هذا إشارة دقيقة لما كان يحصل لأولئك الذين يرغبون بالحضور الى هذه الورشة التي صارت واجهة من واجهات الثقافة في بعقوبة. لقد بدأت القصة كما أخبرنا الكاتب لحظة اكتشافه انه يتجول مساءً على ضفة خريسان ولكنه يعود ليؤكد أنها بدأت لحظة أخبر عامله وجدي بموته على يد التنظيم الإرهابي الذي اختطفه فاختفى لعامين. وهذه لعبة أخرى أراد منها إدخالنا في حيرة جديدة تموّه علينا حدود القصة وفعلها الأول. لقد أضافت لنا هذه اللعبة حيرة بين اكتشاف فعل التجول وبين خبر موت عامل الورشة (وجدي) وأيهما نرشح لبداية القصة. والأكثر قربا هو ما ذكره القاص فيما بعد حين شبه ما يحدث له الآن مثل باب فتحه واغلق بعد دخوله ليظل عالقا بين بابين أو زمنين ومكانين في آن واحد. تاركا لنا حرية التخيل والإقامة على ما نشاء وفقا للظروف المعطاة داخل القصة. ولمزيد من الحيرة فانه يشعر بمرور الزمن المحسوس وليس المتخيل. عند هذه النقطة تلتبس الأمور وتتلاشى الحدود والفواصل الزمنية ليتداخل الماضي بالحاضر، والحاضر بالحاضر وتفرز الأحداث كل ما من شانه تراكم الحيرة ليست حيرتنا حسب بل وحيرة القاص أيضاً. فيتضارب عنده الشعور المزدوج بين الحقيقي والمتخيل بين الصور الملموسة والمحسوسة وبين الصور المتخيلة وأخيرا بين الحياة والموت، ليقينه أن وجدي قد مات قبل عامين وهو يسير الآن معه على رصيف خريسان وانه (أي القاص) أدرك تماماً انه حي يرزق لأن كل ما يحيط به يشعره بحقيقة وجوده في الحياة إلا ذلك الرجل (وجدي) الذي يسير الى جانبه كرجل ميت، فهل مات هو الآخر ليلتقي به في عالم الموتى؟!

(هنا يحدث تداخل في الأزمان والأماكن والمشاعر والأحاسيس والأفكار وتود في تلك اللحظة أن تلوذ بالفرار من هذا الحلم الذي.. لا يترك لك خيار الصحو منه.. أبداً.)

في هذه الفقرة من القصة يبدو الكاتب وكأنه تحول ثانية الى ناقد يحلل ويفسر ويستنتج ليغرق نصه في حيرة جديدة وفي الوقت نفسه يؤكد على أن ما جري كان مجرد حلم اشتغل على تراكم الأحداث الغرائبية بعضها فوق بعض، وحتى لا ينتهي عند هذا التأويل والتحليل فانه يفتح الباب مجدداُ على الخيال ليظنّ القارئ أن هذه القصة برمتها مجرد خيال محض، وهذا ما أراد منه إبقاء القارئ أسيراً لأفكاره الغريبة، مقيداً بها مع تنصل الكاتب منها، ورهانه على ما هو أكبر وأبعد مما يتخيله القرّاء.

ينتقل الكاتب بمرونة الى عالم وجدي وحياته المليئة بالمفاجآت والمغامرات ويظل الموت (موت وجدي المفترض) هو المفاجأة الأقرب لواقع الحال، والأكثر تشويشاً على ذات الكاتب وأفكاره المضطربة لوجود فكرتين متضاربتين هما وجود وجدي الذي يدل على بقائه الحقيقي على قيد الحياة، وأدراك غيابه الذي يدل على مفارقته الحياة واحتجازه في عالم الموتى حتى بدا وكأنه شخصية أسطورية قاربت بين وجوده الحقيقي وحضوره الأسطوري. وعبر مكاشفة أخرى للكاتب يقول: (يبدو أنني كنت أعي جيداً في تلك اللحظة تلك الألاعيب التي قد يمارسها عقلي معي)

وهنا يبدو أن الكاتب أراد أن يخلق للقارئ جواً وهمياً أو افتراضياً ليوعز لنفسه أن ما يحدث الآن إن هو إلا لعبة من ألاعيب الدماغ، ولهذا يقدم الكاتب معلومة دقيقة عن الدماغ وكيف يعمل في مثل هذه المواقف الحرجة. وزيادة في الإيهام والحيرة يبرّئ الكاتب نفسه من أي مرض أو إغماء تسبب في جعله على هذه الشاكلة الغريبة. وما طرْحه السؤال على نفسه:    

لماذا أنا هنا بينما ينبغي أن أكون الآن في بيتي وفي سريري أنام إلى جوار زوجتي؟

إلا إمعانا في استمرار ربط القارئ بأحداث القصة وجعله يوافق على منطقها وما يحدث فيها. وفي غمرة هذه الأحداث يرن جرس الموبايل مستفزاً الكاتب فينظر الى وجدي ليجده قد اختفى مع بقاء النهر في مكانه وكل الأشياء المحيطة أيضاً، اتصلت به زوجته سائلة عن مكان وجوده فيخبرها على الفور بطريقة دبلوماسية انه موجود الى جوارها فترد عليه قائلة:

(أنا اعلم أنك في هذه اللحظة تنام بجواري)

ويدخلان في حيرة جديدة ابتكرها الكاتب بالتأكيد وإن لم يعلم، إذ كيف يرن هاتفه المحمول في مكان بعيد وهو لا يزال نائما الى جوارها؟! تبرر الزوجة ذلك قائلة إن جسده ممدد الى جوارها بينما روحه هائمة في مكان آخر. والا كيف اتفق ذلك البعد والقرب وألغيت المسافات بينهما بطريقة غريبة؟ ومن جانبه يقوم بالتحقق من وجوده على رصيف خريسان بالنظر إلى ما رماه المارة من أوساخ على الرصيف ومن الموبايل ووزنه الحقيقي وألوانه التي حفظها والنهر وكل شيء يحيط به في تلك اللحظة. هنا يسحب الكاتب حيرته ليسقط المرأة فيها فيسألها:

(كيف أكون معك على السرير.. وفي الوقت نفسه أكون بعيدا أسير بمحاذاة خريسان!!)

ينتقل الكاتب بعد هذا وذاك الى حدث جديد مفاجئ وغريب يتمثل في الشخص الذي سلم عليه وهو يسير عكس اتجاهه نحو الظلمة التي خلفها وراءه، بعد أن سكن كل شيء من حوله حتى الموبايل. أراد اللحاق به بعد لحظة تفكير خاطفة لكن قدميه لم تطاوعانه فتسمّر في مكانه وسمع صوتاً يأمره ألا يتوقف، وهنا ندخل جميعاً (نحن والكاتب) في دوامة حيرة جديدة وسؤال توالدي: من هو هذا الكائن العابر عكس اتجاه الكاتب، والى أي ظلمة يمضي مسرعاً على رصيف خريسان في هذه اللحظة الغامضة؟ ولماذا سلم على الكاتب؟ أهو شخصية جديدة أم أنها شخصية الكاتب نفسه؟ وتفسير هذا الارتباك والحيرة يحيلنا الى قصة كان قد كتبها قبيل سنوات قلائل تتركز فكرتها على انشطار الذات ولم يشعر حينها انه سيعيش أحداثها يوما ما. لقد كان سبب الإحالة الاسترسال في الحيرة مجددا وتأكيد الشك في أن ما يحدث الآن هو شيء من الانفصام طالما لعب على فكرته كتاب القصة والمسرحية. ومع توالد أسئلتنا فان الكاتب يراكم من عندياته الأسئلة الآتية: من أنا؟ لماذا أنا الآن هنا؟ كيف سأخرج؟ وقبل هذا وذاك كيف دخلت؟ ليدخلنا في أجواء ضبابية تحرمنا من التعرف على الأسباب الحقيقية كإجابات عن تلك الأسئلة وهذا أمر مقصود.

بعد اختفاء الموبايل، وفشل عملية البحث عنه يسقط الكاتب في دوامة حيرة جديدة مدعياً انه لا يعرف شيئا عما حدث ويجزم أن القارئ أيضا لم يعرف وانه سيخبره حال معرفته بما يحدث وهذه عملية الغاية منها بقاء القارئ في حيرة مستمرة في استمرارها لذة للكاتب وتشويق للقارئ والقارئ العضوي على حد سواء. نعود ثانية الى الشخصية التي ظهرت وهي تغذ السير عكس التيار (عكس اتجاه الكاتب) تاركين حيرتنا منها مع أن الكاتب أكد لنا بقليل من الضعف أنها تمثله هو:

(كل التفاصيل كانت تقول انه أنا.. ولكن بعمر مختلف وهيئة مختلفة إلى حد ما)

هنا يقطع الكاتب استرساله الجميل ليظهر لنا وجدي الذي اختفى. ليتحدث إليه بحرية أكبر ويبادره وجدي بان ما حدث له أو ما قاله شقيقه عن اختفائه صحيح لا ريب فيه. ثم يحكي حكايته مع داعش وما ارتكبوه بحقه من تعذيب وأذى لا يمكن حتى لثور ضخم تحمله. ويصرح بصدق انه لم يوافق على طلبهم لأنه كان يسأل نفسه أثناء وقبل ذلك ماذا لو انهم ولم يكمل ولكن الكاتب يكمل بجدية مفرطة ليتك فعلت. ترى لماذا أراد الكاتب هذا؟ هل ليتخلص مما وقع له في الحلم، أو المخيلة، أو شوشرة الدماغ؟ هل بسبب ارتباك الذات واضطرابها؟ أم بسبب الضوضاء التي أحاطت به وأسكتته عن الكلام وشهواته الكثيرة.؟ أم بسبب الظلام الثقيل الذي سقط عليه كما يسقط السخام على الرؤوس المعذبة. وهنا يؤكد له وجدي أن الشخص الذي مر بهما هو الكاتب نفسه وعليه اللحاق به قبل احتفائه مرة أخرى. ثم ينبهه الى أن ذلك الشخص ينام الآن في فراشه بدلا منه. ويزيد الطين بلة حين يسأل:

(في أي اتجاه مضى هو، والى أي اتجاه تمضي أنت؟)

لقد أرعبه هذا السؤال كثيراً وراح يسأل نفسه بتعجب هل ثمة خدعة ما مورست ضدي؟!  ويخرج الكاتب من كل هذه الحيرة بحلول الصباح الجديد حين يجد الناس من حوله وهو لا يزال يتحدث الى شبح يمشي الى جواره ثم يحكم عليهم منتقدا:

هؤلاء الذين اقتحموا عالمي دون استئذان.. ثمة خطأ ما.. انه تداخل غير مقبول بين عالمين.. ليتهم يفهمون هذا.

لتنتهي القصة عند هذا الحد من الحيرة والارتباك بل إنها بنهايتها هذه أضافت للقارئ حيرة وارتباكاً جديدين ومقصودين.

 

....................................................................................................

(*) هذه الكلمة هي آخر ما كتبه القاص الراحل حسين البعقوبي أثناء رقدته قبل الأخيرة على فراش المرض بسبب قلبه الخؤون.

 

أديلايد 2021