صفحة الفنان التشكيلي شنيار عبد الله

شنيار عبدالله
ولد في بعقوبة 1945
بكالوريوس في الخزف من أكاديمية الفنون الجميلة بغداد 1968
ماجستير من جامعة ميشكان -أمريكا 1978
عضو نقابة الفنانين وجمعية التشكيليين العراقيين
عمل مدرسا
لمادة الخزف في أكاديمية الفنون الجميلة /بغداد
المعارض الشخصية
المركز الثقافي الجيكوسلوفاكي
بغداد /جمعية الفنانين 1968
بغداد جمعية الفنانين 1972
امربكا/قاعة وليامستن-1976
قاعة جامعة ولاية مشيكان /أمريكا 1978
قاعة الرواق -بغداد 1980
قاعة الرواق - بغداد 1981
قاعة الاورفلي- بغداد 1985
المعارض المشتركة
معارض جمعية الفنانين /الفن العراقي المعاصر/نادي الإعلام 1972  مهرجان الو اسطي 1972
و 1984 معرض لستة خزافين لاتسنك أمريكا 1979 معرض الخزف المعاصر دمشق وفنزويلا 1979 مهرجان يوم الفن  ومهرجان بغداد العالمي الثاني 1988
أنجز عدة جداريات داخل العراق

الخزف المعاصر في العراق

المخيال بملغزات الموروث ومشفراته

عادل كامل

جدل الحرفة والتحديث

     أفضت تأثيرات  فالنتينوس وتوجيهاته، كمعلم خزف، وكمكتنز لموروثات البحر الأبيض المتوسط، لخلق ثنائية لا يصح تجزئتها: الأصول .. والتحول. فالحرفة ليست محض صناعة (سلع) بحسب الطلب أو الحاجة، لتلبية رغبات المجتمع، أو لخلق ذائقة مغايرة، تدشينية ومبتكرة، وإنما، إضافة إلى ما تحققه من نفع، وإشباع لرغبات ذاتية، لن تغادر شخصية الخزاف، هناك الفعل  الرمزي بما يمثله من (وثيقة) تتجاوز المعنى، أو القصد، والقيمة المادية، والمباهاة في الصنعة، نحو المنجز الفني بما يتضمنه من ضرورة أو استحالة الاستغناء عنه. إن (نصا ً) متضمنا ً مرجعيات وموروثات لأزمنة قديمة، ومشفرا ً بدوافع متنوعة، تطلب مهارة استثنائية. فالفنان ليس فردا ً في جوقة تنشد في مأتم أو عرس أو نداء ً بالاستسقاء، أو تضرعا ً بطلب الرحمة، انه مهارة تلخص المخفي للأصوات والرغبات والأحلام الجمعية، وقد تمت صياغتها بنظام غدا له أصوله عبر الحقب وتحولاتها.  هذا الدرس، رسخه سعد شاكر، كصانع امهر، لدى تلامذته. فقد  عمل سعد شاكر برفقة فالنتينوس في صياغة تقاليد الخزف الحديث في معهد ـ وكلية الفنون الجميلة ببغداد.  فما هو خارج (الحرفة)، في مغزى البلاغة، لا يستحق الثناء. فالحرفة ليست مهارة، كعمل البهلوان في الرقص على الحبال، وإنما في الإتقان بما يتضمنه حبل البهلوان من صلة بالتوازن بين الموت والتفوق. فالأخير (البهلوان) يطّوع المغامرة ـ القائمة على الموت، للبرهنة بان السحر (ذاته) حرفة  قائمة على الكتمان. هذا السياق تعلمه شنيار عبد الله، كحرفة قائمة على عمل الذاكرة (التذكر ـ أزمنتها ـ واسترجاعاتها عند العمل) بالحفر في نظام الحرفي (الاسطة) الذي صاغ السومري شعاره بالأدوات الهندسية. فالحرفة (كحرفة الطب/ الهندسة/ أو العمل ببرمجة السفن الفضائية) تتطلب أدواتها، وطرق عملها، وما تتضمنه من غائيات وأهداف محددة، معرفة بالغة الدقة والإتقان. هذه المعرفة، جاورتها ـ عند فالنتينوس وسعد شاكر ( دون إغفال جواد سليم، بنص خزفي نادر، منح الذاكرة معيارا ً لدراستها كشرط، ألا وهو تجاوزها، بالمخيال. على انه ليس دحضا ً أو إلغاء ً، بل شرطا ً للفن كي لا ينغلق) بمكونات الحاضر: حداثات فرضت وجودها، بين موجودات لعصر يعمل بمجموع قواهن مع اثر بليغ لمراكزه في التأثير والإدارة والهيمنة. كان فالنتينوس غير مولع ـ كفائق حسن ـ  بالشذوذ الفني أو الأسلوبي. فالأصول، كما في نصوصه، علم يتحكم بتحقيق حرية الفنان (وربما بالخروج من قيودها). وقد عمل جواد سليم بهذا الدرس ليجعل من الحداثة، إنباتا ً شرعيا ً لخلايا إخصاب ستتم بطرق مغايرة للأعراف: أعراف الحرفة. فاللاشرعي، المبني على المخيال، لعصر لم تظهر فيه الأصولية كحد مواز ٍ للتحديق في المجهول، رافق مفهوم التحديث، والحداثة. لكن خمسينيات القرن العشرين، في أوروبا كانت قد شهدت فعاليات لن تترك للحداثة إلا أن تتراجع، وتكف أن تغدو (أوروبة)  خالصة. كان رد الفعل، في  تيار ما بعد الحداثة، أن أعاد للأصول، الجذور،  والمؤثرات البيئية، والاجتماعية، ملامح مغايرة لمفهوم (التصنيع) والانخلاع، والاغتراب، وقد عمل أساتذة حقبة الرواد (جواد سليم/ فالنتينوس/ وسعد شاكر) بمنح التحديث شروط جعل (اللا شرعي) أن يكون شرعياً. إلا أن اللا شرعي، سيتغذى، بعمل البهلوان في جعل الحبل جزء اً من سحر معادلة الموت ـ اللعب ـ والدهشة. فالمصادر الحديثة لم تجد نبذا ً من المتلقي (من النخبة التي ترجع جذورها إلى بناء الدولة العراقية بعد الاحتلال البريطاني، بعد غيابها، لسبعمائة عام) بل استجابة سمحت لرواد الفن بالعمل على نبش المدفونات، وإعادة صياغتها بروح العصر. وكان هذا هو الدرس الذي منح شنيار عبد الله مغامرة عرض نصوصه الخزفية مبكرا ً. فقد قدمها في المركز  الثقافي الجيكوسلوفاكي (1968) قبل السفر إلى الولايات المتحدة، وإكمال دراسته العليا في ولاية مشيكان (1978)، حيث صاغ من (الموروث ـ والمستحدثات) عمل الساحر إزاء جمهور لم يتكون بعد، إنما، بالحرفة ومغامرة الخروج عليها، غذى مخياله بلغز: الخامة، وهي تبلغ ذروتها بالرموز، واستكشاف ثراء الطاقات الكامنة، أسلوبه في التفكيرـ والأداء.  فالحرفة دفعت بالخزف كي يجاور المجسمات النحتية، وما يتباهى به التصوير المعاصر، والفنون المجاورة، ليكف أن يكون (لقى ـ وأدوات) إلا بما يحقق امتداد لغز الأثر في تنصيصات مبتكرة، لا تستنسخ، بل تدمج، لصالح  شرعية (الحداثة) بصفتها، ومنذ وجدت كفعل مغاير للطبيعة، قد تضمنت خلايا متعددة، تضافرت لصياغة  بنيتها، بما تمتلكه من أصول متوارثة وبيئية، وأخرى: لها فعل السحر، وفعل البهلوان مع الموت.

 علامات ضمن علامة

     قبل أن يتم عزل الروحي عن الفن، في سياق عمليات آخذة بالاتساع، بعد توفر آلهة (غير الآلهة الأم) مشخصة في تطور أدوات الإنتاج، وصولا ً إلى الحاسوب ذاتي العمل، فان ثمة أربع علامات جديرة بالتأمل:

1 ـ الفاعل (الخزاف ـ الفنان ـ المرسل)

2 ـ الآخر (المتلقي ـ المتذوق ـ المرسل إليه)

3 ـ علامة الفعل (النص الخزفي ـ العلامة الفنية)

4 ـ ما لم يتم الإعلان عنه، عبر الفعل الإنتاجي، بما يتضمن من مخفيات (مشفرات ـ آليات تعمل بمجموع الأطراف ـ المحركات) (1)

     يمكن، في عصر موت (الفن/ الفلسفة/ الإنسان) إضافة  علامة خامسة خاصة بالفعل: استحالة تلافي صدمة الموت (الاختفاء/ الاندثار) واستحالتها إلى: أسئلة. فلماذا  وجدت الأشياء، وضمنا ً، الإنسان، وابعد من ذلك: خالقه؟

     لم تغب عن ذهن شنيار عبد الله، هذه الأسئلة، وهو يتلقى  دروس فالنتينوس (الحامل لموروثات البحر المتوسط) أو سعد شاكر (الحامل لمورثات الصحراء)، إلا وهو غارق في بيئات بالغة التعقيد: الاستهلاك، ومفاهيم أكثر صلة بالنفع، باتجاه حقيقة ما بعد (الحداثة) في المجتمع الأمريكي.

     لم تعد الحرفة، عند الخزاف، إلا انتقالة إلى الصانع، ومن ثم، باتجاه المتلقي. فالخزاف يشتغل على صناعة علامات للتداول، لا تنعزل عن مكونات العملية الإنتاجية، إلا أن المشفر، عبر الرموز والانشغالات الجمالية، دفعت بشنيار عبد الله إلى مزاوجة علاماته بجذور سحيقة، تذهب نحو  الخامات، والى سياق لا يمكن عزله عن حداثات بلغت ذروتها: موتها، كي يستعيد (الفن ـ عبر الفنان ـ والمتلقي) شرعية صياغة الأسئلة داخل النص بصفته تركيبا ً غدا علامة.

     فالخزاف لم يترك، وعبر تجريبية متواصلة، أثر الذهني (اللاواعي ) في إنتاج سلاسل من التجارب شكلت  أسلوبه. لقد تفحص تحولات الأشكال، بمتغيرات أنظمتها، كما حلل، حد التفكيك، مفاهيم الفن في حداثته الأوربية، كي لا يتخلى، في دوافعه، عن رؤية شرقية تأملية حاملة لتشفيرات حضارة وادي الرافدين، والشرق عامة، إزاء عصر استبعد (الميتافيزيقا)  عنه. ها هنا ـ إزاء الصدمات ـ يتمسك شنيار عبد الله بالتنفيذات والواجبات العملية، كجذر لم تتخل عنه أساطير أسلافه ـ ولا أساطير الحضارات القديمة ـ إلا كي تتشك الأسئلة في الذهن، لتجد صياغتها عبر مزاوجات وتداخلات تعيد للبذرة لغزها في عملها التوليدي: البذرة وهي ترث عوامل ديمومتها كي لا تخفي، في المنتج، علامة موتها. إن الخزاف، في عدد من خزفياته، ينهج دروب شاكر حسن آل سعيد الملتوية، القائمة على حيل المزاوجة، لصالح الإجابات. على أن شنيار (كشاكر حسن يمسك بالخلاصات في كل نص يتوخى صياغة نفي، واثبات، معا ً: فالتضاريس الجغرافية، وعشوائية حدود المساحات، وتفرد حالات الخامة، تشترك، مع الأشكال الهندسية، والعلامات المعاصرة، في جعل التعبير (جسرا ً) بما حمله من مخفيات متوارثة. انه ليس العبور إلى  المتلقي (أو إلى: المعرض/ المتحف) فحسب، بل إلى: المدفن. فموت الفن ينسحب إلى ميلاده: بذور كأنها حاملة للذي ستصبح  عليه، عبر الآخر (الفنان كمبتكر) لعلامات فقدت امتياز تجانسها، ووحدتها. إن شنيار عبد الله، سيسمح للذهني ـ والذهني الخالص، كي لا يغيب عن منجزاته التعبيرية/ الرمزية/ البدائية/ المتضامنة مع المتغيرات .. الخ للتمسك باستحالة أن يكون (الفن) من صنع الفنان، ومن اجل التداول، بعيدا ً عن مفهوم يجعل من (العلامة ـ السلعة)  نظاما ً لا يدمره التداول، أو التفكيك، أو الاستهلاك، ومن الاندثار. فالجمالي (بمعنى تقصي ذرى التشذيب وإعادة البناء بنظام متحرر من القسر والابتذال) ليس بناء ً للأشكال، بل للعلامات في تجاورها، وتضادها، كي يسمح لنا النص بتأويلات لم تغب عن  المتلقي (والباحث) بل عن الفنان نفسه. على أن هذا لا يقود إلى بذور تكّون الأشياء، عبر أشكالها المتداولة، والسحرية، ووصلا ً إلى استبعاد المخفي (الماورائي منها، ضمن قوانين السلعة فحسب، بل إلى العلامات وهي أكثر تمثلا ً لتحفيزات لم تشترك في تكوينها الذاكرة ـ وموروثات حضارات مختلفة ـ وإنما كونها (  صهرها) مخيال لا يعمل عشوائيا ً، بل استجابة لمنح الفن دينامية لم تحقق ما تم معرفته (بدا ً بالنافع إلى المجرد والجمالي، وانتهاء ً بالنص كعلامة بين علامات) فحسب، بل تجعل من لغز العملية الفنية برمتها، وكأنها خارج مفهوم التطور (الحذف والإضافات/ التراكم والتحول/ الدفن والبعث)، ولكن بما يجعل من الأسئلة  اشتغالات غير زائدة، حتى إذا كانت العملية برمتها تجري في حلم.

مراحل

   بعد الانتقال من الحرفة إلى: الفن، كرس الخزاف اهتماماته بالمنحى الجمالي، ومنح الخزف دلالة الفنون الحديثة، كالرسم والنحت. هنا يغامر شنيار عبد الله بالبحث عن هويته، ذلك لأنه في هذا الدرب الوعر، عمل على الارتقاء بالخزف من الأشكال التقليدية لصالح التعبير في أشكاله النحتية، والمعمارية، معتمدا ً دراسة الكتل والفراغ والأبعاد الهندسية كقيمة تجعل فنه خارج تقاليد الموروث التقليدي (خارج الذاكرة وعلاماتها) للإناء أو المعالجات الزخرفية الباذخة في منحاها الجمالي.  ففي أعماله ذات الأشكال الهندسية المربعة، أو المستطيلة، أو الدائرية، عمل على دراسة الكتلة الخزفية كعمل (نحتي خالص) لولا مناورته باستذكار الفخار النحتي القديم، وبجعلها تتميز بقيمها الفنية الخالصة حيث تعبر الكتل عن مضامين فنية لا تتكشف أو تظهر إلا من خلال الإيحاء وخلق المناخ الفني المتوازن مع الحداثات في تجديد الأشكال والمعالجات التقنية.  فالكتل الهندسية بنقوشها ورموزها العربية والمزخرفة بالحروف والعلامات المستمدة من الكتابة تسعى للتمسك بالجماليات الخالصة: الخزف بصفته يتضمن دلالات خاصة بأشكاله، وما توحي به. ففي معالجة المربع ـ على سبيل المثال ـ اعتمد الموازنة الأشكال الهندسية والأشكال البشرية في حدود هذا الشكل، أو الأشكال الأخرى، بعد إجراء سلسلة من الاختزالات، تجعل العلاقة جمالية، ورمزية معا ً. فالمربع ليس رمزا ً للحرية، إنما الحركة الداخلية تمثل تعبيرا ً عن مفهوم الصراع، مما منح جماليات الأشكال علاقات جدلية بين ما هو عضوي ـ غير مستقر ـ وما هو مستقر وثابت.  ولكن الإنسان ـ في عدد من أعماله ـ يمتلك قدرة تعبيرية تتخلى عن الأهداف الجمالية لصالح التعبير ذاته، أو المعنى في سياق المعالجة الحديثة للخزف.  فالإنسان لم يعد إلا رمزا ً وقد عالجه الخزاف كقيمة تعبيرية لعالم زاخر بالتصدعات والتحولات: انه علامة تسمح باستعادة المعالجات القديمة، للإنسان في مواجهة اغتراباته، في الماضي أو في الحاضر. والمعالجة تسمح للرمز أن يتداخل بالمعالجة الرمزية بين الأشكال ذاتها، ومدى ما يمتلكه التعبير من إيحاء وتأويل. وفي هذا المعالجات يقتطع الخزاف بعض الأجزاء كي تغدو مركزا ً للعمل، حيث التكنيك يدمج، المساحات، برمزية الموضوعات المعالجة. لكن الإنسان يبقى علامة تتكرر في سلاسل أعماله  التي ستقوده إلى التجريد، والى التعبير وقد اختزل إلى معالجات ملمسية وخطية ولونية غايتها الحفاظ على منطق التحديث بعيدا ً عن الوظيفة المباشرة للخزف. فثمة نتوءات قليلة بارزة تضفي حركة داخل حدود الأشكال الهندسية:  هذه المعالجة تجعل العمل الخزفي يمتلك قدرة على خلق خيال يسمح للمتلقي بقدرة على التأويل، في إطار موضوع الاغتراب، وقضايا العصر الأخرى. كذلك نراه يقوم بمعالجات تتكون من قطعتين أو أكثر تارة بين المربع والمستطيل، وتارة بين الدائرة والمثلث ..الخ مع تنويعات للألوان  المستمدة من لون التربة (الطين) بما يحافظ على علاقة الإنسان بالتعبير الهندسي للأشكال الخزفية. وفي الحالتين اعتمد الفنان الإيحاء في المعالجة وليس ثمة ما هو واضح بشكل أخير. فالفنان يناور بأشكاله، وألوانه، ورموزه أيضا ً من اجل منح فنه خطاب الحداثة كامتداد للبيئة، وأشكالها، وبشرها، ورموزها الأخرى، في سياق جماليات التعبير، ومنطقه الرمزي. فالفنان يحل الأشكال بين ما هو نافه وما هو جميل بمنح التعبير قدرة احتواء الأشكال المستمدة من البيئة وتحويرها للمعالجات الفنية الحديثة الأكثر صلة بالنحت، والمعمار، وقد تداخلت ضمن حداثة الفخار النحتي، بجذوره الخفية، وبرمزيته المعاصرة معاً. فالخزاف يمنح المغامرة شرعية تطويع الخامة لأهداف  مستحدثة توازي الحداثة بما تتضمنه من ابتكار لا في المضامين بل بالمعالجات وبما يجعلها قائمة على التجريب.

 الفن الجداري

     بعد أن اشتغل شنيار عبد الله  بإجراء توازنات بين الذاكرة ومتطلبات التحديث في دلالته المحلية (الوطنية) بالحفاظ على بصماته، وليس بالتخلي عنها، ضمن مؤثرات  العولمة، لم تأت جدلية الموازنة بين رؤيته الشخصية وتيارات الحداثة، بتأثيرات شعار: الموروث ـ المعاصرة فحسب، بل لان التحديث غدا أولوية لاستيعاب الخطاب الحداثوي، في شقيه، المحلي، والعالمي. فلم يجد صعوبة في إعادة الحياة لأصول الفن الجداري القديم، في المعالجات الحديثة، وذلك بتفهمه للعوامل البيئية والجغرافية، فضلا ً عن الجمالية والرمزية للأبعاد التاريخية. فقد راح يصور سطح الأرض، مستلهما عمل النحات في صناعة جدارياته داخل المعابد والقصور، أو بما تركه  التاريخ الفني من شواهد لها دلالة النصب التذكارية، أو التزينية والرمزية عند بوابات المدن أو ضمن مفهوم تماثيل الأسس، وبعيدا ً عن الانشغالات الباذخة لفن الخزف الجداري، أو بالقطيعة عن المعنى الكامن لهذا الفن، فالمعادل الجمالي منحه وعيا ً لدراسة ما لم يمت في المنجز (الأثر) كي يستعيد حياته عبر (النص) الحديث: مرة أخرى وجدت البذرة آليات عملها، لكن عبر الوعي، وليس عبر الضرورات فقط. فالخزاف مكث يتأمل في العلاقة بين فنون الماضي وبيآتها وما كانت تحمله و (تخفيه) من دلالات، وعلاقتها بالمعاصرة، كعلاقة الوعي وهو يبحث عن إجابات (وضمنا ً عن: أسئلة) في الحاضر، لأن المشهد التأملي لتلك المنجزات، بعمقها، وبأسلوب الرؤية لها  جعله يردم القطيعة، ولم يجعل منها، في الوقت نفسه، تلصيقا ،ً كي تمتلك أصالتها، أو هويتها، وتميزها كعلامة بين العلامات الأخرى. فالإحساس بالقدم، واثر عوامل الطبيعة، والزمن، كلها أدت إلى معالجات منحت الحداثة علاقتها بالمحركات الداخلية، وبما شغل فكر الفنان القديم وهو يشفر منجزاته بما سيجعله ممتدا ً، وغير قابل للدفن. فالخزاف لم ينشغل بالأشكال الباذخة أو المترفة، للسطوح والزخارف والألوان البراقة، بل انحاز لحكمة التعبير بالدرجة الأولى، وليس للمعالجات الشكلانية المحض، كما في بعض تيارات الحداثة. وهي حكمة لها صلة بالأسلوب وبمكوناته البنائية، كعلاقته بالطبيعة الصحراوية والتراب والوجوه والمعمار الطيني .. وهي مفردات ستتداخل بالتعبير الجداري كعلاقة عضوية لم يكن للحداثة إلا تحد ٍ في الابتكار وليس للمحاكاة أو الاستنساخ. فجعل خاماته ومعالجاته تستجب لموضوعات انتقاها بما يتلاءم مع الحداثة، كتحوير الأشكال واختزالها حد التجريد، لتحقيق غايات لم يغب عنها الهاجس الجمالي، للموروث، أو لمآزق الإنسان المعاصر.

     إن شنيار عبد الله، هنا، عمل بمعادل بين داخله، وبتأثيرات المناخ العام للحركة التشكيلية في مجالي النحت والرسم،  كي يحقق التوازن التركيبي بين أكثر من فن في المنجز الجداري وما يتوخاه من تعبير معاصر. فقد استلهم المفردات البيئية، والرموز القديمة، والشعبية، وكأن عمله امتاز بروح التنقيب، لدي الاثاري، لولا انه أضفى على مكتشفاته أثره الأسلوبي عليها.  فقد أعاد صياغتها بالصهر، والدمج، والتركيب، كي تحافظ على إخفاء لغزها، الذي قصده الفنان، او الذي لم يقصده. ومثل هذه الحصيلة، بشكل أو آخر، تنتمي إلى التشكيل العراقي، في حقبة الريادة، ولم تستعر من الخبرة العالمية، إلا ما جعلها أكثر استعادة لمخفياتها التراثية، وصياغتها بلغة معاصرة. ففنه الجداري لم ينغلق، عند موضوع محدد، أو عند معالجة أخيرة، بل مكث تجريبيا ً، كسمة عامة لذلك الجيل، وله شخصيا ً. فقد وازن بين العاطفة والعقل، وبين المخفيات القديم والرموز الحديثة، وبين المستعاد والمتخيل، لصالح احتفاظ الفن بدهشته، وبما لم يدشن.  كالانشغال بموضوعات السحر، أو بالهاجس الجمالي، وبموضوعات الإنسان وهو هو ينفتح أمام فضاءات غير منغلقة.  كل هذا اشر الإجابة عن سؤال قديم: كيف تتحقق المعرفة الفنية، من الداخل، وفي سياق (تصادم) الاتجاهات والأساليب؟ إن الفنان، هنا، جعل من العلاقة حوارا ً تكامليا ً لموضوعات الفن، ولم يحصرها في معالجة أحادية. فالتعبير امتد ليشمل قضايا النضال، والمقاومة، واغتراب الإنسان العربي، إلى جانب لغة الفن، بما تمتلكه من علامات مشتركة في الخطاب الحداثوي، وتتابع امتلاكه لمشفرات لا يمكن فصلها عن الخامات، وأساليب التعبير في الفنون الجدارية الحديثة.        

خلاصة

     تفسر التنويعات الأسلوبية، عند الخزاف شنيار عبد الله، على مدى أربعة عقود من العمل، عن رؤيته للتجريب في مقابل التكرار، وعلى الضد من النمطية أو الانغلاق. فالبحث عن (المخفي) عبر العلامات جعله لا يتعامل مع الخزف (السيراميك) إلا كفن لم يفقد طابعه القديم؛ ذلك المخفي المشترك بين مكونات الخزف: الضرورة/الخامات/ الخزاف/ الفن وتشفيراته .. الخ وقد جعل منها، باستثمار فنون مجاورة كالنحت والرسم والكرافيك والزخرفة والخط العربي.. الخ بنية تعمل بروافدها، ضمن إطار صياغة خطاب حمل توقيع الخزاف في مرحلة مزدوجة: تدشينات مبكرة تستند إلى تقاليد شعبية وجذور موغلة بالقدم، والى حداثات أوروبية بلغت ذروتها في التمهيد، بعد خمسينيات القرن الماضي، لتيار ما بعد الحداثة. هذه الازدواجية، في التوجه، والمنجز العملي، سمحت لرؤيته التجريبية بالاشتغال على استنطاق مكونات نصوصه الخزفية. فالطين لم يعمل بمعزل عن الوعي، والوظيفة لم تدحض الفن الخالص، والذات لم تلغ التفرد والفردية،  ومفهوم الخزف لم يستغن عن الكتلة وخصائص الرسم اللونية، والقديم لم ينفصل عن لغز انبثاقاته، والأشكال لم تعمل بمعزل عن المتغيرات الحاصلة بفعل التكنولوجيا، عامة، وتقنيات الخزف الحديث خاصة .. الخ جاعلا ً من الثنائيات وحدة جدلية وشعرية، سابقة على (نصوصه) وقائمة عليها. فالثنائية، في فن الخزف العراقي الحديث، منذ تأسس أول فرن معاصر في عام 1957، ميزت الخزف بصفته من أكثر الفنون صلة بـ: الإنسان .. الأرض، عبر دور الفنان الاجتماعي ـ الثقافي. فالمعمار الحديث، دون أن نهمل بيوت الطين والقصب والحجر والوبر، لم يتخل عن فن الخزف،  بعمله كوسيط وناقل بين أزمنة وحضارات، وخطابات مختلفة. فالحداثة ـ في أقدم جذورها وأكثرها  راديكالية ـ عملت كجسر، لا بسبب  الحقل الوظيفي للخزف، بل الرمزي والتعبيري والجمالي.  وشنيار عبد الله، بنتاجه الغزير، والمتنوع، منح الخزف مكانة لها حضور لا للذكرى، بل لإعادة بناء المخيال ذاته. فالحداثة في الخزف العراقي، هنا، لم تؤسس تقاليدها فحسب، بل أسست مخيالها في  التذوق، والانتقال من( الصفر) إلى شرعية أن عالمنا، خارج الحداثة، لا يقارن إلا بعصر خال ٍ من الأدوات، والعلامات الثقافية، إذ ْ أنجز الخزاف العراقي، في زمن وجيز وصفه نوري الراوي بالمعجزة، بنقل التجربة من محليتها إلى عالميتها. فالعقد الذي عمل فيه فالنتينوس وسعد شاكر وشنيار عبد الله وطارق إبراهيم ونهى الراضي وسهام السعودي وماهر السامرائي وعبلة العزاوي وأكرم ناجي .. كل في أسلوبه وهويته، شكل عصرا ً (ذهبيا ُ) حيث أقيمت عدة معارض في لندن وباريس وفنزويلا وقبرص وسورية .. الخ تحكي أن خزف وادي الرافدين، منذ سومر وأكد وبابل وآشور والعصر العباسي الذهبي، انبثق، كبذرة تضافرت لها عوامل الإخصاب، عن مكونات لخصّت هوية هذا المنجز الخزفي، وعلاماته الأسلوبية الحديثة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ  يمكن مقارنة العملية الإنتاجية، في حقل آخر. فيستعير شربل داغر المثال التالي : " للقول اللساني نظام بناء واشتغال، له علامة ثلاثية موجهة في اتجاهات ثلاثية، أي انه يحيل إلى:

ـ المتكلم، الذي يعبر عن موقفه، النفسي والأخلاقي، وهي وظيفة التعبير؛

ـ طرف مقصود بالتخاطب، بوصفه معنيا ً بالمضمون؛

ـ المضمون المحمول فيه، وهو في ذلك (تمثيل) للعالم. 

ويزيد رومان جاكوبسون على ذلك جهة رابعة (الشيفرة) أو اللغة السرية " انظر [الفن والشرق ـ الملكية والمعنى في التداول] الجزء الأول 1 ـ النادر والعريق. شربل داغر. المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء/ الطبعة الأولى ـ 2004  ص 131

 

 

شنيار عبد الله : فخاريات خارج النهج التقليدي

لمياء نعمان

تجاربه الطويلة في الخزف قادته نحو التجريب ووفق امتداد تقنياته المستمرة عبر تواصله في العمل أو التدريس على خامة الطين والزجاج والألوان وحرارة الأفران التي تصل إلى 1000 درجة.

سياقات أعماله وتنوعاتها تتشكل مع توازنات اعماله الخزفية التي تغيرت بمنحى مبني على بنية حداثة فن الخزف والتي شكلت نتاجات تقنيته بالالوان والفكرة والتنفيذ، والفنان شنيار عبد الله عبر تاريخه الفني والتزاماته في التجديد الحداثوي للتلاعب بخامة الطين وادخال الحروف العربية تارة في أعماله وتجديد الخامة بتشكيلات وتصنيفات جعلته من الأساتذة الفنانين الذين اخرجوا الخزف الى العالم رغم ان حضارة وادي الرافدين بدأت منذ القدم بأوان وصحون من الفخار وخطوط زجاجية وأعمال أخرى.الفنان شنيار عبد الله صنع علامات عديدة مع عناصر التكنولوجيا لتشكل عنده بنية اخرج الفخار من نهجه التقليدي والنمطي، وظف تجاربه فحملت معها طابع هوية الفن العراقي المعاصر رغم أن أعماله لا تبدو للوهلة الاولى بانها اعمال خزفية وفخار.ورغم تجريدية فن الخزف بمفهومه المتطور إلا أن أعماله جاءت لتحمل تضادات جمالية وضعتنا لنبحر بمعاني التكتيك اللوني الذي يصعب تفرده بتعريض الأعمال الفخارية وتحويلها لجماليات فنية وبدرجات حرارة عالية للاحتفاظ بتشكيلات لونية تفرد بها الفنان شنيار.وبمناسبة تواجده بيننا على ارض العراق وفي اجازة له مع اهله واحبته حاورناه بشأن أعماله الأخيرة التي اتخذت منحى اللوحة والجدارية وابتعادها عن نمطية السيراميك.فهل كان لتدريسه في المعهد العالي للفنون الجملية في تونس تأثير على نهجه وتغير أسلوبه الفني؟.أشار إلى أن أسلوبه لم يتغير وأعماله في تونس ومعارضه الشخصية العديدة في بغداد والأردن والإمارات وغيرها لم تجعله سوى متجدد، بل أن الفنانين التونسيين معجبون من تفرد الفنان العراقي بخصوصية الإبداع والتجديد في الأساليب الفنية واتخاذ الفنان العراقي خطوات واسعة لتطوره وحصوله على الاولويات في حصد الجوائز والإعجاب والتقدير.وأضاف: بدأت في تنفيذ أعمالي وبطريقة الجداريات منذ العام 1997 فأصبحت أعمالي شبيهة باللوحات في الرسم، واختياري للألوان يصعب تحديده ونجاحه بفضل متغيرات درجات الحرارة التي يتعرض لها الطين والخزف، ويشير الى أن الفنان خاصة العراقي هو باحث ودؤوب ويعمل وفق ما ينبع من روحيته ليضيف من دواخله الثقافة، الموهبة، المهارة، لتكون أعماله متميزة ومبدعة.ولكن هناك فنانين ما زالوا مقيدين بالأسلوبية التراتبية؟ نعم بعضهم لم يستطع تطوير ذاته وأعماله ولكن الفن العراقي عموما ان كان في الرسم والنحت والخزف والكرافيك في تطور دائم، لذا أصبح الفن العراقي له سمة التجديد والرقي وهي سمعة لامسناها من خلال علاقاتنا مع الأخوة العرب في تونس ومصر والأردن وسوريا ودول الخليج، من خلال معارضنا العربية المشتركة ودائما الفنان العراقي يكون في المقدمة عن طريق تجاربه الفنية التجديدية. ربما يعتمد ذلك على ثقافة وجذور امتدادات

الفن العراقي عند الفنان العراقي.ربما وجود تلك الامتدادات الزمنية للحضارات التي أوجدت في ارض وادي الرافدين في جيناتنا الوراثية وهذا ما نشهده في عموم أعمالنا الفنية العراقية المعاصرة.فالعراقيون في تنوعاتهم ومساراتهم في مجالات متعددة تتصف بالإبداع والتألق والتطور.كان تدريسي فن الخزف في الستينيات كجزء من تقليدية المهارة الفنية وتبعات للفن التشكيلي وهي نمطية جعلت من الخزافين أسرى الأسلوبية الخزفية.نعم وكان ذلك صحيحاً فقد كان يدرسنا الفنان فانتينوس وهو يوناني الأصل وكان تقليدياً في منهجه وتعليمه لنا، فتعلمنا منه مبادئ فن الخزف وكان علينا أن نطور قابلياتنا ومهاراتنا في أعمالنا وحصلت متغيرات جذرية في الخزف وهذا ما نشاهده في المعارض الفنية، علما ان الخزف كان مهمشا وليست له مكانة بين الفنون التشكيلية. ولكن بدأت ملامحه منذ تأسيس معهد الفنون العام 1957 وقد جلب أول خزاف بريطاني في فرناً حرارياً خاصاً بالفخار للعراق العام 1954 لتنفيذ أعمال الفخار وتحويلها الى الخزف، وبدأ الفنان فالنتينوس بتدريس هذه المادة في كلية الفنون الجملية العام 1961 ومع ذلك فقد شكل الخزف في السنوات الأخيرة معالم فنية جادة في تقنيات وتشكيلات لمفهوم خامة الطين ليصنع منها دلالات وجماليات لاختزان رؤى وأساليب جديدة تجاورت مع فن النحت.

 

شنيار عبدالله ..غواية النحت أم غواية الخزف

يربكنا شنيار سلمان كلما ابتكر ملمحا لمشروعه الفني..وهو الخزاف الذي انشغل بتحليل خامته مثل كيميائي يكتشف خواص تربة بلاده .
هذا الرافديني الشغوف بالحديث عن التربة العراقية اكثر من همه الحديث عن فنه ..

اهرق الكثير من الوقت الفني الثمين للوصول الى نتائج جدليته .. و ليتواصل مع خواص طينته من مصادرها المكانية المتعددة بعد بلوغ نتائج متنوعه واكيده ؛ تفاعلها مع اللون ، تناسب درجات الحرارة او تفاوتها ، تناغمها مع تزجيجات والوان تجريبيه ، وهكذا هو ماض يقارب النحت والخزف ، في مزيّة خاصة اوصلتها اعماله النادرة التي اشتغلها خلال اكثر من ثلاثة عقود .

شنيار عبد الله يعلّق على الماضي بوعي مميزات الحرفة ، كما يتجاوزها حين ينحت مشاريعه ويجهد حتى تشي بفكرتها الفنية . من بغداد الى تونس هناك حيث يؤاخي بين خبرات رافدينية دؤؤبه كان حملها عبر تجربته واكتشاف لامكانات محلية عرفتها الحرفة في تونس ، وهو يؤدي مهمته تدريسيا او باحثا .. ومبدعا لخزف يحمل رموزه وجدّته .. واختلافه . وقد انجز اعماله الجديدة التي نعرض بعضها منذ وقت .. معتقدا ان الوقت لم يفت لأقامة معرض جديد يعرض فيه تعليقات على حركة الخزف من خلال نماذجه . لقد كان يمكن ان يعرض خزفه في ستوكهولم .. وتونس لكنه يرجيء معرضه لأختيار وقت آخر . اعماله الجديدة تركّب وعي الزمن لتردم فجوات فيه بأعتبار ان الوعي هو في تكريس لبرهان جديد .. ومعنى للعمل الفني في حضوره ، بالتكرار .. والبحث.. والتجريب الحر دائما .

شنيار عبد الله - 1954 يدحض اية فكرة عن محدودية الخزف في تكريس حداثة هذا الفن . انه يرى ان اندثارات تاريخية ضخمة رافقته ( وظيفيا وجماليا ) في دورته التاريخية ، وهو يفعل ذلك عبر دراسة متأمّله وتشخيصية .. لذلك تأتي اعماله ، لتبدد تلك القطيعة في وعي جدلية فن الخزف : غربته والتقاؤه .. في حضور المشروعات الفنية التي تحمل كل عمق البحث .. والفهم .. الثقافي والأنجاز التاريخي . انه يرى ان فخاريات الأمس هي علامات للتذكر ، ولكن منجزات الخزف الجديدة هي تجارب واعية حين تستنطق الخفايا والرموز ، تأكيدا ان فن الخزف متحرك وليس ساكنا . في تجاربه الجديدة منذ معرضه في غاليري الأورفلي 2007 في عمان وهو يجري تفكيكا حيا للكتله من خلال عرض انبعاثات دلالية عميقة عبر هيئة العمل ذاته . انه يشفر نظامه الفني ، وكأن قطعته الفنية لوحدها تدوين يتجاوز قشرة الوعي الى دواخل ملغّزة .. ومحتمله ازاء اي افتراض . معارضه شبكة علاقات معرفية .. ومنجز لتحويلات في الوعي الفني لمهمة الخزف الفنيه ... وحيث مايزال العقل العربي يستفهم عن مهمات الخزاف التي ينفذها شنيار عبد الله وجيل من الخزافين المجددين .. وحيث مايزال البعض من المتلقين يطرح اسئلة تعيد سذاجة هذا العقل المولع بالتكرار والنكوص الثقافي امام وعي الحداثة واشكالاتها .. تقوم اعمال شنيار عبد الله بمهمة مغايرة للبنى الثابته وتأكيد لتاسيسات اشتغل عليها عبر دراسات وتجارب ومعارض كثيرة لتكريس منجزه الذي يعلي اداء فن الخزف وموحياته وانبعاثاته.
 
كان الفنان شنيار عبد الله قد اهتم منذ وقت بمتابعة رغبته في تأكيد المتغيرالفني الحديث ، وكثير من الشهادات تشير الى تجاربه في ديالى وبغداد واماكن اخرى .. اهتمامه بتأكيد النفي لكل قائم . علاقاته بمجايليه ، بطلاّبه ، بمجمل الحركة التشكيلية , تجاربه في المؤسسة التدريسية في العراق وتونس الآن .. انه يتابع تلك التناقضات ليعرض جدليتها في اعماله الخزفيه .. معارفه هذه وهي تجاور اسئلة الحضور الفني ..توصل نتائج معرفية غاية في الأهمية في معيار الدراسة .. ومعايير النقد . انه فنان النوع الحي لأبتكار خواصّه وهي تروي عبر كتلة الخزف .. وموحياتها العميقة .